عوارض مسطرة تحقيق الرهن الرسمي


إن مسطرة تحقيق الرهن الرسمي و التي تبتدئ بتوجيه الإنذار العقاري، و تنتهي ببيع العقار المرهون، تستغرق العديد من الآجال و تستلزم الكثير من الإجراءات، الأمر الذي يجعل مواجهة هذه المسطرة بعض العوارض أمرا واردا [1]، لذلك غالبا ما يتم الطعن في هذه الإجراءات من ذوي المصلحة متى شابتها خروقات شكلية أو جوهرية،( االفقرة الأولى) .
كذلك يمكن أن تثار المنازعة من طرف الغير الحائز للعقار وكل شخص تبث له حق شخصي أو عيني على العقار المرهون، بالإضافة إلى الأغيار البعيدين عن مسطرة التنفيذ[2]. (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: الطعن ببطلان إجراءات الإنذار العقاري

مسطرة الإنذار العقاري و الحجز التنفيذي، تعتبر مسطرة خاصة، تتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات الشكلية، يترتب على إغفال أي جزء منها البطلان[3]، غاية المشرع في ذلك، تحقيق التوازن بين عدة مصالح، سواء فيما يخص الدائن المرتهن أو المدين الراهن إذ يمكن لأي واحد منهم رفع دعوى البطلان إذا ما مست أحد الحقوق التي يتمتع بها تطبيقا لمقتضيات الفصل 484 من ق.م.م [4].

أولا: موضوع دعوى بطلان إجراءات الإنذار العقاري .

دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري إما أن تكون مبنية على وجود إخلالات شكلية في هذه الإجراءات، وفي هذه الحالة يكون الهدف من الدعوى هو إعادة الإجراءات المعيبة بشكل سليم قبل المضي قدما في مسطرة التنفيذ، أي أن أثرها حتى في حال حكم بقبولها يكون وقتيا، و يزول بمجرد استدراك الخطأ أو الإخلال المذكور، كإعادة التبليغ أو إعلان و إشهار البيع من جديد وفق ما يقتضيه القانون .
وإما أن تكون هذه الدعوى مبنية على أسباب جوهرية تنازع في أحقية الدائن في اللجوء إلى الحجز، و ترمي إلى التصريح بإبطال الإجراءات بصفة نهائية وعدم العودة إليها، كالتمسك بوفاء الدين المضمون بالرهن،  أو بطلان عقد الرهن نفسه[5]. و عليه، فإن موضوع الدعوى التي يقيمها المدين أو الكفيل يمكن أن تهدف إلى إصلاح خلل شكلي و إنهاء مسطرة الحجز نهائيا، كأن يتمسك بأسباب موضوعية تهدف إلى الحكم ببطلان الإجراءات بصفة نهائية كالتمسك بإنقضاء الدين.
بينما الدائن، لا يمكنه إقامة هذه الدعوى إلا بناءا على إخلالات شكلية يكون هدفه دائما إصلاح الإجراءات الباطلة قصد مواصلة التنفيذ بعد ذلك.
   ويعود الاختصاص النوعي للبث في هذه الدعوى إلى محكمة الموضوع أي المحكمة الابتدائية التي يوجد في دائرتها الترابية العقار موضوع الحجز وليس قضاء المستعجلات بها[6].
 وحكم المحكمة في موضوع دعوى البطلان لا يعدو أن يكون أحد الأمرين، إما رفض الدعوى ويتحمل الطرف الخاسر تبعا لذلك مصاريف الدعوى  [7] أو أن يقضي الحكم بقبول الطلب، فينبغي بذلك أعادة الإجراءات الباطلة أو التوقف عن إجراءات الحجز تماما حسب موضوع الدعوى [8].
وفي جميع الأحوال فإن الحكم الصادر يكون إبتدائيا و يقبل الطعن بالإستئناف. لكن ما هو أثر رفع هذه الدعوى على مسطرة التنفيذ ؟

ثانيا: آثار دعوى بطلان إجراءات الإنذار العقاري على مسطرة التنفيذ.

 إن الهدف الذي يسعى إليه كل من يطعن في إجراءات الحجز العقاري هو ترتيب الأثر الموقف للإجراءات إلى حين البث في دعوى بطلان إجراءات التنفيذ.
و يكون هذا الهدف مشروعا و متماشيا مع غرض المشرع في هذا الباب، متى كانت الدعوى مؤسسة على وقائع جدية ووجيهة، غير أن هذه الفرضية قد لا تتحقق خاصة عندما يتعلق الأمر بدعاوى كيدية، يقيمها من ينوي الإضرار بمصالح الدائن.
و حسب نص الفصل 483 من ق.م.م، فإن مدعي البطلان، عليه إرفاق مقاله بالوثائق المتممة بالجدية للإستفادة من الوقف التلقائي للتنفيذ، و مع ذلك تبقى للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد ما إذا كان  من الواجب وقف الإجراءات أو مواصلتها، و ذلك تبعا للوثائق المعززة للدعوى.   و مع ذلك شكل مفهوم هذا الفصل و كيفية تطبيقه محل خلاف كبير في الفقه و القضاء معا.
فجانب يرى بأن مجرد إقامة دعوى البطلان يرتب الأثر الموقف للتنفيذ و بصفة تلقائية إلى حين البث بحكم نهائي في هذه الدعوى ، و سندهم في ذلك الفصل 483 من ق.م.م. بينما يرى الجانب الآخر  بأن هذا التفسير منح فرصة لذوي النيات السيئة إلى عرقلة إجراءات التنفيذ، غرضهم في ذلك الإضرار بالدائن، لذا فإن الأثر الموقف للإجراءات لا يعمل به، و على الطرف الذي يطمح إلى وقف إجراءات اللجوء إلى القضاء بطلب مستقل يكون موضوعه وقف التنفيذ.
و هناك رأي وسط[9]  بين الإتجاهين،مؤداه أن إقامة دعوى الطعن في الإنذار العقاري و طلب بطلان إجراءاته يوقف تلقائيا التنفيذ، حيث يجب على عون التنفيذ أن يكف عن أي إجراءات بمجرد الإدلاء لديه بنسخة من قال الدعوى بغض النظر عن تعزيزها من عدمه، لكن يجب على المحكمة أن تتولى بصفة تلقائية تقييم الدعوى و الحجج المدلى بها، و أن تصدر حكما أوليا بمواصلة التنفيذ إذا رأت بأنه لا موجب لإيقافه.

الفقرة الثاني: دعوى الإستحقاق الفرعية.

تهدف دعوى الإستحقاق الفرعية باعتبارها تتدرج ضمن منازعات التنفيذ الموضوعية إلى حماية حق دستوري يتمثل في حق الملكية، من كل ما قد يمسه أو يلحق به ضررا من جراء إتمام إجراءات التنفيذ.
كما أن إدعاء الغير كون الحجز أنصب على عقار يملكه بدون رضاه و بدون أن يكون كفيلا أو ضامنا أو متضامنا مع المدين يشكل في حد ذاته عارضا واقعيا و قانونيا أثناء التنفيذ[10] .  
و لقد فتح المشرع المغربي للغير الذي لم يكن طرفا في عملية التنفيذ، مجالا للمنازعة في إجراءات التنفيذ التي أنصبت على ممتلكاته العقارية، و ذلك عن طريق رفع دعوى الإستحقاق الفرعية بالإستناد إلى مقتضيات الفصلين 482 و 483[11] من ق.م.م.
فما هي هذه الدعوى و ما موضوعها (أولا) وما هي أثارها على مسطرة التنفيذ  (ثانيا).

أولا : موضوع دعوى الإستحقاق الفرعية

أعطى المشرع لمدعي ملكية العقار إمكانية الإعتراض على إجراءات الحجز التي تقع على ملكه و يطالب بإبطالها عن طريق رفع دعوى إستحقاق فرعية.
وكما هو واضح من إسمها فإن موضوع هذه الدعوى هو طلب إستحقاق العقار المحجوز، لكن إجماع الفقه منعقد على ضرورة أن يقترن ذلك بطلب آخر و هو طلب بطلان إجراءات الحجز، و على ذلك فإن موضوع هذه الدعوى يتكون وجوبا من شقين أساسيين لا يغني أحدهما عن الآخر و هما: طلب الإستحقاق و طلب بطلان إجراءات الحجز، لأن الإقتصار على الشق الأول يجعل الدعوى مجرد دعوى إستحقاق أصلية [12] و بعبارة أخرى فكما أن موضوع الدعوى يتكون من شقين متلازمين فإن الحكم الصادر فيها لا بد أن يتضمن  الفصل فيهما،إما بقبولهما معا أو رفضهما معا.
و الحكم الصادر في هذه الدعوى حكم إبتدائي قابل للإستئاف و غير مشمول بالنفاذ المعجل [13]. لأن الحكم الذي نص عليه المشرع المغربي في الفصل 483 من ق.م.م بأنه مشمول بالتنفيذ المعجل هو الحكم  الذي تصدره المحكمة لمواصلة إجراءات التنفيذ والذي يصدر قبل البث في موضوع طلب الإستحقاق، و يكون حكما عارضا الهدف منه وضع حد لأثر الموقف للتنفيذ الذي يترتب عن مجرد رفع دعوى الإستحقاق الفرعية[14]. و هذا ما سنوضحه في الفقرة الثانية و التي سنخصصها لأثر الدعوى على مسطرة التنفيذ.

ثانيا : أثر دعوى إستحقاق الفرعية على مسطرة التنفيذ.

إن إدعاء الغير بأن الحجز انصب على عقار يملكه بدون رضاه و بدون أن يكون ضامنا للمدين أو كفيلا له، يشكل عارضا واقعيا و قانونيا أثناء التنفيذ، ويمثل بالتالي صعوبة يتعين تدليلها وتستدعي في حالة ثبوت جديتها الأمر بإيقاف التنفيذ أو تأجيله مؤقتا [15] .   
 
إلا أن الأثر الواقف لهذه الأخيرة يتجادبه اتجاهين، اتجاه يساند فكرة الوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ، واتجاه يرى ضرورة صدور حكم بناءا على طلب من أجل وقف هذه الإجراءات.                  

أ : الاتجاه القائل بالوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ. 

يذهب أنصار هذا الاتجاه [16]، إلى القول بأن مجرد تقديم دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار المحجوز، يترتب عنه الوقف التلقائي والفوري لإجراءات التنفيذ، بصريح الفصل 482 ق.م.م.، حيت رتب المشرع المغربي على رفع دعوى الإستحقاق الفرعية آثار الوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ دون اللجوء إلى طلب مستقل بشأن ذالك،
ويتعين على كون التنفيذ الكف عن أي إجراء بمجرد الإدلاء لديه بنسخة من مقال الدعوى الافتتاحي، ولا سلطة له في تقييم جدية المقال أو الحجج المعتمدة.

ب: الاتجاه القائل بضرورة صدور حكم بإيقاف التنفيذ بناءا على الطلب.

يرى أنصار هذا الاتجاه [17] أن وقف إجراءات التنفيذ لا يترتب بقوة القانون بمجرد رفع دعوى الإستحقاق الفرعية، بل لابد من تقديم طلب بذالك إلى المحكمة المختصة، فإذا تبين لها موجب لوقف التنفيذ فإنها تحكم بوقف إجراءات التنفيذ، وإذا ظهر لها العكس تقضي برفض الطلب.
فتقديم الطلب في نظر مؤيدي هذا الاتجاه تبرره الصيغة الواردة في الفصلين 482-483 من ق.م.م، إذ أن الفصل 482 يقضي بأن دعوى الإستحقاق الفرعية يترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ، ولكن ليس تلقائيا وإنما بشرط، وذالك عندما أورد أداة الشرط  "إذا "، أي إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح، وأن الجهة الموكول إليها تقدير هذه الوثائق هي الجهة المنصوص عليها في الفصل 483 من ق.م.م، وطبقا لهذا الفصل يجب على طالب الإستحقاق أن يقدم دعوى بذالك، ويودع بدون تأخير وثائقه، وإذا اعتبرت المحكمة ألا موجب لوقف إجراءات الحجز كان حكمها مشمول بالنفاذ المعجل  [18]



[1]  الإشكالات العملية في مسطرة تحقيق الرهن الرسمي ص 65 :
[2]  راجع الفصل 484 من قانون المسطرة المدنية .
[3]  رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ، في موضوع:العقار المحفظ بين الرهن الرسمي و الحجز العقاري (السنة الجامعية 2000-2001
[4]  المادة 484 من قانون المسطرة المدنية ، يجب أن يقدم كل طعن بالبطلان في إجراءات الحجز العقاري بمقال مكتوب...
[5]  محمد سلام: مرجع سابق صفحة 120
[6]  رسالة : العقار المحفظ بين الرهن الرسمي و الحجز العقاري
[7]    راجع المادة 483 من قانون المسطرة المدنية                                    
[8]  عبد الإله أبو عبد الله: تعليق حول إيقاف إجراءات التنفيذ العقاري ، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 53، ص.75. عن محمد سلام. م.س، ص 120

[9]  محمد العلوي ،تحقيق الرهون ، ندوة العمل القضائي و البنكي ، منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية ، ص:191

[10]  محمد ناجي شعيب ،إيقاف التنفيذ على دعوى الإستحقاق الفرعية ، مقال منشور بمجلة المناظرة ، العدد 6،يونيو 2001 ، صفحة 7
[11]  راجع الفصلين 482 و 483 من ق.م.م
[12]  محمد سلام م، س، ص:132
[13]  محمد سلام م، س، ص: 133
[14]  محمد سلام م، س، ص: 134
[15]  رسالة لنيل دبلوم المستر في القوانين الإجرائية المدنية، تحت عنوان : مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، السنة الجامعية 2008- 2009 ص75
[16]  محمد سلام م.س ص 134.
[17]  إبراهيم أحطاب الحجز التنفيذي في قانون المسطرة المدنية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، السنة الجامعية 1998-1999 ص 155
[18]  رسالة نيل دبلوم الماستر  في القانون المدني المعمق، "دعوى الإستحقاق الفرعية وأثارها على العقار المحجوز " 2016-2017، ص 79

شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق