الدكتور نبيل أبومسلم
محام بهيئة الدارالبيضاء
تكريساً للدور الأساسي الذي تلعبه مؤسسة العقد في خدمة مختلف المصالح المشروعة للأفراد، في إطارٍ متكافئ، ومناخ سليم، خوّل المشرع للقضاء الحق في التدخل في العلاقات التعاقدية، متى بدا له أن ممارسة الأطراف للحرية التعاقدية التي يتمتعون بها، قد ترتب عنها زعزعة و اختلال للتوزان العقدي، من خلال استغلال أحد الأطراف لمركزه الاقتصادي المهيمن، أو للحاجة الملِحّة للطرف المقابل له من أجل تضمين العقد شروطاً تُعْلّب مصلحته على مصلحة الطرف الأضعف منه اقتصاديا، إلى درجة قد يصبح معها
تنفيذ هذا الأخير للعقد مرهقاً له، بل وقد تنتفي معه كل مصلحة له من وراء التعاقد. حيث يتوفر القضاء على مجموعة من الآليات التي قد تعينه على إعادة التوزان العقدي للأطراف، من خلال استعانته بها كلّها، أو بعضها، وفق ما يلائم الوضع الاقتصادي للأطراف.
من هذا المنطلق، يثار التساؤل بخصوص مدى فعالية نظرية الإكراه الاقتصادي في المحافظة على التوازن العقدي، وهو الأمر الذي يقتضي منا الوقوف عند تحديد مفهوم الإكراه الاقتصادي(أولا)، و بيان الآثار المترتبة عن تحققه(ثانيا).
أولا: مفهوم الإكراه الاقتصادي
أمام محدودية الآليات المستمدّة من قانون الالتزامات و العقود، وفي مقدمتها التعديل من التعويض الاتفاقفي. و تأويل بنود العقد لفائدة المدين بالالتزام، في احتواء مختلف مجالات اختلال التوازن العقدي. أصبح من الضروري إيجاد آلية تراعي أثر التفاوت في الإمكانيات الاقتصادية، على إبرام العقود، وتحديد مضمونها.
هذه الآلية التي قد تقتصر على بلورة آلية كلاسيكية كرّسها المشرع في قانون الالتزامات والعقود منذ سنة 1913، وجعلها أحد العيوب التي تطال إرادة الأطراف، ألا وهي الإكراه. حيث أصبحت الممارسات التي يعرفها الوسط الاقتصادي، و الإرهاصات التي يتعرض لها الفاعلون الاقتصاديون، تقتضي التوسع في تحديد مفهوم الإكراه المعنوي، بجعله يستوعب مختلف الضغوط التي يمارسها أحد الأطرف على الآخر، قصد حمله على التعاقد، أو إجباره على القبول بشروط ما كان له أن يقبل بها، لو لم يكن تحت الضغط.
و لعل أبرز مثال على الإكراه الاقتصادي، هو ذلك الذي قد يتعرض له من يتعاقد مع الشخص الذي يحتكر مادة معينة أو خدمة ما. حيث يكون ملزما على التعاقد معه، في ظل غياب البديل عنه، و مجبراً على ...
لتحميل هذا المقال PDF إضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق