إن تسوية المنازعات
المرتبطة بالصيد البحري بين المتابعين والإدارة عن طريق الصلح كان نتيجة توجه
المشرع على تفعيل هذه الآلية المهمة في فض النزاعات بعيدا عن مرفق القضاء، غير أنه
لم يحدد لنا الجرائم التي يجوز التصالح بشأنها وإنما اكتفى بالنص في الفصل 53 من
ظهير 23/11/1973 على أن الصلح يجوز بشان المخالفات المنصوص والمعاقب عليها في نفس
الظهير، غير انه أسند مهمة إجراء الصلح الإداري لنتساءل في هذا الفصل على ماهية
الصلح في ميدان الصيد البحري؟ وعن الآثار التي يخلفها ؟ وهل له آثار سلبية على
الثروة السمكية الوطنية؟.
مفهوم الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري( المبحث
الأول )،آثار الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري( المبحث الثاني) .
المبحث الأول :
مفهوم الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري
الصلح يشمل
المخالفات المنصوص والمعاقب عليها بظهير 1973، ويهدف إلى وضح حد للنزاعات المرتبطة
بميدان الصيد البحري وتتكفل به السلطة المعنية بالصيد البحري.
لذلك سنحاول تناوله
من خلال هذا المبحث بالوقوف على مفهوم الصلح في ميدان الصيد البحري (المطلب الأول)
على أن نتناول في (المطلب الثاني) أطراف الصلح في المجال البحري ومفهوم الرضائية؟.
المطلب الأول :
مفهوم الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري
يرتبط الصلح الإداري في ميدان الصيد
البحري بوجود مخالفة لظهير 1973 بحيث تعمد إدارة المكلفة بالصيد البحري، إلى اللجوء
لهذه الوسيلة الإدارية، لتسوية النزاع القائم بين الإدارة والظنين، وهي وسيلة تضاف
إلى الحل القضائي.
وعليه سنتولى معالجة
هذا المطلب من فقرتين حيث سنخصص (الفقرة الأولى) لتعريف الصلح الإداري على أن
نتعرف في(الفقرة الثانية) الطبيعة القانونية للصلح.
الفقرة الأولى :
تعريف الصلح الإداري
من المتفق عليه أن تحديد المفاهيم ووضع
التعاريف هي مسألة نسبية تتحكم فيها وجهات النظر من جهة، وتغير الظروف الاقتصادية
والاجتماعية من جهة أخرى، لذلك فالتشريعات غالبا مالا تقوم بتحديد المفاهيم ولا
بوضع التعاريف لكثير من المؤسسات القانونية والمصطلحات التي تستعملها، وينطبق نفس
هذا التصور فيما يتعلق بالصلح في ميدان الصيد البحري، بحيث المشرع لم يعمل على
بيان المقصود بالصلح في ميدان الصيد البحري وترك الأمر للفقه والقضاء.
ومن خلال قراءة في
المواد المخصصة لهذه المؤسسة من المواد 53 إلى 55 لم يحدد المقصود ب
"المصالحة"ولم يحدد شكلها وما يجب أن تتضمنه هذه الوثيقة من بيانات
وإنما ترك الأمر للممارسة القضائية .
وقد عرف
الدكتور" عبد الله الجنيدي" الصلح بأنه : "نزول من الهيئة
الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل المالي الذي قام عليه
الصلح".[1]
وهذا التعريف يوافق
ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية التي عرف الصلح بأنه "نزول من الهيئة
الاجتماعية عن حقوقها مقابل الجعل المالي الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة
القانون".[2] في حين الفصل 53 حدد لنا
المخالفات التي ينصب عليها الصلح، وبمفهوم المخالف للفصل يكون قبل النطق بالحكم وبعده
".... ولا يمكن أن يشمل الصلح، بعد صدور الحكم إلا العقوبات المالية
والتعويضات المدنية"هذا بالنسبة لمصطلح 'الصلح".
غير أن مصطلح" إداري" هو الذي يدعونا
للوقوف عليه، لمعرفة لماذا اعتبرت الصلح
ادري ولمدا لم يعتبر مثالا قضائيا كما هو الحال مثلا في قضاء الأسرة3،خاصة أن المشرع المغربي لم يعمل على تحديد ووضع معايير موضوعية
يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ما إذا كان من الممكن تصنيف ممارسة إدارية ما ضمن خانة
المصالحات الجنائية أم لا؟ واكتفى باشتراط ضرورة نص القانون على ذلك بوجه صريح.
لكن في مجال الصيد البحري ،الصلح يجد تطبيقاته فيه خاصة أنه مجال ذات طابع تقني
كما أن المشرع المغربي لم يحدد الجرائم
التي يجوز التصالح بشأنها وإنما اكتفى بالنص في الفصل 53 من ظهير 23.11.1973 على
الصلح يجوز بشان المخالفات المنصوص عليها والمعاقب عليها بنفس الظهير
ويشمل الصلح مجالات
مهمة نظرا لأهمية المجال البحري المغربي المتمثل في "البعد الجغرافي نظرا
لطول الشواطي المغربية -2850-كلم مربع وعمقها وكذا في البعد الاقتصادي وما يحققه
من نفع للاقتصاد الوطني ، وتغذية السكان ..."1 .ولقد حدد"
موريس ليوتار" مخالفات الصيد البحري في .
_" صيد
الحيوانات البحرية بغض النظر عن وسيلة الصيد (أقدام،بواخر،قوارب...)
_ استخراج النباتات
البحرية
_ صيد الطيور
البحرية
_ استخراج الأسمدة
والرمال البحرية سواء من داخل البحر أو من الساحل "2. إضافة إلى كل المخالفات لظهير المنظم للصيد البحري.
وفي غياب معايير
للصلح نجد الفقه المقارن، اعتبر العنصر الإداري ضروري للقول من أجل تضييق مسطرة
إدارية زجرية ضمن نطاق الصلح الجنائي3.
والعنصر الإداري :
يتمثل في وجود شخص معنوي عام كطرف في الصلح، إذ بالإضافة إلى الظنين يشترط أن يكون
هناك شخص معنوي عام كطرف في العلاقة
الصالحية والتوفر على البيانات التالية والتي يتطلبها الصلح في ميدان الصيد البحري
،بحيث أن الممارسة الدارية ،جرت على إبرام الصلح في وثيقة مكتوبة وهذا ما كرسته
الممارسة الفعلية بحيث أن هذه الشكلية ،أي اشتراط الكتابة يحمي الطرفين ،إذ يجعل
التزاماتهما محددة بشكل دقيق ،ويجعلكما في مأمن من تضارب الأقوال أو نزاعات محتملة
،كما يسهل على المتصالح الاحتجاج أمام القضاء بوقوع الصلح في حالة متابعات محتملة
ويمكن إجمالا القول أن أهم البيانات التي يجب على وثيقة الصلح تضمنها هي ،
_ اسم وصفة وموطن
الطرفين .فبالإضافة إلى اسم ممثل الإدارة الذي يوقع الصلح وصفته ،يجب أن تتضمن
وثيقة الصلح الاسم الكامل للمتصالح وصفته ،ومكان إقامته،وإذ كان يبرم الصلح نيابة
عن المخالف أو كان كفيلا له فيجب أن تتم الإشارة في وثيقة الصلح لهذه الصفة
_ المخالفة موضوع
الصلح . يجب أن تحدد في وثيقة الصلح بدقة الجريمة موضوع الصلح ،ومكان حصولها
وتاريخها،ويجب أن تكون المخالفة مما يجب التصالح بشأنها قانونا ،كما تتم الإشارة
في صلب وثيقة إلي الأسماك المحجوز أو آليات إن كانت وتتم الإشارة كذلك هل الصلح
قبل الحكم أو بعد حكم نهائي .
_ الاعتراف بارتكاب
المخالفة .تتضمن وثيقة الصلح شرطا يفيد اعتراف المتصالح بارتكابه الجريمة موضوع
الصلح
_ الضمانات والشروط
الموضوعة لضمان تنفيذ الصلح ،خاصة التزام المتصالح بأداء عوض الصلح ووقت الأداء والتخلي
عن الأشياء المحجوزة انتم الاتفاق عليه
_ تاريخ الصلح .
تتضمن وثيقة الصلح ذكر تاريخ إبرامها عن طريق ذكر اليوم والشهر والسنة.
_ توقيع الصلح . يجب
أن تكون وثيقة الصلح موقعة من الطرفين
،ولا يجب على المتصالح أن يوقع على الصلح إلا إذا أصبحت وثيقة الصلح مكتملة الجزاء
أي مستكملة كافة البيانات. وهذه البيانات هي التي تميز الصلح الجنائي عن عقد
الصلح المدني المنصوص عليه في الفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
وإجمالا يمكن تعريف
الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري
بأنه"عقد مبرم بين المتابع في جريمة الصيد البحري وبين الإدارة
المكلفة بالصيد البحري التي خولها القانون السلطة تقديرية واسعة، دون تدخل من أي
جهة قضائية أو إدارية، لوضع حد للنزاع القائم بينهما، سواء قبل صدور الحكم أو بعده
مقابل تنازل الإدارة عن حقوقها المقررة قانونا أو عن تنفيذ العقوبات المحكوم بها
مع التزام المتابع بأداء مبلغ معين".
هكذا فالصلح في
ميدان الصيد البحري، يمتاز بمجموعة من المميزات، منها أنه عقد يلزم الجانبين، لأنه
مقابل تنازل الإدارة عن المتابعة أو عن تنفيذ العقوبات المالية إذا تم إبرامها بعد
صدور الحكم أو قبله، ويلتزم المتصالح بأداء مقابل الصلح أي العوض للإدارة.
كما يمتاز بكونه
جائز قبل رفع الدعوى أو أثناء رفعها، بل يمكن أن يتم ولو بعد صدور الحكم، غير أنه
في الحالة الأخيرة لا يمكن أن يجرى إلا على الغرامات والتعويضات المدنية،[3] وفي
جميع الأحوال فإنه يجب ألا يقل عن الحد الأدنى للغرامة المنصوص عليها قانونا. وإذا
كانت هذه ماهية الصلح الداري في ميدان الصيد البحري ،فالتساؤل يثار حول طبيعته القانونية؟.
الفقرة الثانية :
الطبيعة القانونية للصلح الإداري في ميدان الصيد البحري
للإحاطة بالطبيعة القانونية للصلح الإداري يقتضي
الأمر منا التعرض لمختلف الآراء الفقهية التي أرجحت بين إضفاء الطابع المدني على
الصلح و"الطابع الإداري" للإجابة على سؤال مهم عن طبيعة العقد المبرم
بين الإدارة والجاني وحدود حريته في إبرامه ؟
أولا : الطابع
المدني للصلح في ميدان الصيد البحري
لابد في البداية من
التعرف على الصلح في الفصل 1098 من ق.ل.ع والذي تستخلص منه أن للصلح ثلاثة عناصر
هي :
- وجود نزاع قائم
ومحتملة والمقصود بذلك أن يكون هناك نزاع بين المتصالحين قائم أو محتمل قيامه،
والمراد بالنزاع هو ادعاء كل طرف لنفسه الحق.
وتعتبر منازعة بهذا
المفهوم حتى ولو كانت بصورة غير جدية حيث لا يشترط أن يكون المدعي متأكد من حقه،
كما لا يشترط من خلال الفصل المذكور أن يكون النزاع حاصلا بل يجوز إبرام صلح على
نزاع حتى ولو كان قيامه محتمل بصورة نسبية مستقبلا متى كان الصلح يرمي إلى تفادي
المسائلة القضائية.
ونزول كل من
المتصالحين عن جزء من ادعائه وذلك باعتبار الصلح من عقود المعاوضة فهو لا يقوم إلا
بوجود أداءات أو تنازلات متقابلة يكون الهدف منها إرضاء طرف للآخر من أجل إبرام
الصلح،والتنازلات المتبادلة قد تكون جزئية تنصب على جزء من الادعاءات، وقد تكون
كلية ترمي إلى تنحية الادعاء برمته. هكذا يمكن القول في نهاية المطاف أن الصلح
يتأسس على وجود تضحيات من الجانبين،وتوافر نية حسم النزاع، ومفاده هذا العنصر أن
تنصرف إرادة الأطراف إلى إنهاء النزاع وليس إلى تسوية مسألة فرعية.
ووجود هذه العناصر
يعتبر مسألة واقع يستقل بها قاضي الأساس ولا معقب عليه من طرف قاضي النقض غير أن
مسألة توافر هذه العناصر ينعت العقد صلحا تبقى من المسائل القانونية التي يخضع
فيها قاضي الموضوع لرقابة قاضي النقض،إذن يستخلص من العناصر أعلاه أن الصلح المدني
ومقوماته هي كونه عقد تبادلي وعوضي وملزم لطرفيه.[4]
وهي نفس المقومات
التي لدى الصلح جنائي حسب بعض الفقه "cousse" وهذا الرأي إذا كان يجد بعض تبريراته في كون الصلح الجنائي
خضع في بعض أحكامه لمبادئ القانون المدني خاصة فيما يتعلق بأسباب البطلان والآثار.
كما يتوفر طرفاه على هامش رضائي يخولهما قبول أو رفض إبرامه، إضافة على أن وثيقة
الصلح تحتوي على عبارة وقع الاتفاق.... مما قد يفهم على أنه عقد رضائي، إلا أن هذا
الرأي لا يمكن الأخذ به على أطلاقه، وإلا لما كان المشرع قد نص على هذه المؤسسة في
صلب التشريع الجنائي (القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية) ولاكتفى بالإحالة
على مبادئ القانون المدني المنظم لعقد الصلح المدني[5] كما
أن الرضائية في العقود هي اتفاق الطرفين على شروطها[6] في
حين أن الجاني لا يتفق بالبيان على شروطه بل عليه الإذعان لهذا الصلح وإلا كان
مصيره هو المحاكمة، خاصة انه منذ البداية الأطراف هم غير متساوين، لأنه إذا كان من
الجائز مناقشة الطرفان بنود المضمنة في عقد الصلح فإن من المسلم به أن للإدارة
الصيد البحري كل السلطات لفرض إرادتها على المتابع، الذي لا يملك إلا أن يخضع
لشروط الإدارة ،فيسلم من المتابعة أو يرفضها فتتم إحالة قضيته على القضاء.
هذا بالإضافة إلى أن
المشرع هو الذي حدد آثار الصلح الجنائي فلا دخل للإدارة أو المتصالح في هذا التحديد.[7] غير
انه تثار ملاحظة بخصوص ، الطابع المدني ومدا توفره في الصلح في الجرائم المتعلقة
بالمجال البحري، وهى إشكالية جد مهمة وهى مدى وجود تنازل متبادل بين الطرفين؟الذي
يتمثل في أداء المتصالح للمبالغ مالية مقابل إلغاء الجزاءات التي كانت ستفرض عليه؟
وبالنظر إلى
وضعية طرفي الصلح وما يطبع الممارسة الإدارية التصالحية من لا مساواة
والمركز الممتاز الذي تحظى به الإدارة ،يجعل من الصعب تصور تنازل متبادل والذي من
مقتضياته توافر المساواة بين طرفي العلاقة القانونية ،لذلك يبقى السؤال ما هو قيمة
التنازل سواء بالنسبة للإدارة أو بالنسبة للمتصالح
_ بالنسبة لإدارة.
لا يمكن القول بان الصلح ليس سوى تنازل بعوض عن حقوقها " فالإدارة لا تستطيع
التنازل عن حق لا تملكه فهي لا تملك الدعوى العمومية حتى تتنازل عليها1
_ بالنسبة للمتصالح وفي حالة
إبرام الصلح بعد صدور حكم بات فلا وجود لتنازل من قبله في حقه اللجوء إلي المسطرة
القضائية "إذ لا يكون بوسعه التخلي عن هذا الحق –أي بالرجوع إلى القضاء-بعد
إن يكون القضاء قد نظرا فعلا في قضيته2
وبالتالي فالصلح
الجنائي هو شيء آخر غير عقد الصلح المدني، ويمكن نعت الصلح في ميدان الصيد البحري
بالعقد ذات الطابع الخاص، على اعتبار أنه طريقة لتسوية المنازعات المرتبطة بميدان
الصيد البحري قبل الحكم وبعد تتجسد في عقد ذي طابع خاص له ظاهر عقد الصلح الإداري.
ثانيا : الطابع
الإداري للصلح في ميدان الصيد البحري
تتجه بعض الآراء
الفقهية إلى القول أن الصلح هو عقد إداري على اعتبار أن أحد طرفيه إدارة عمومية
وهو إدارة الصيد البحري.
ومن المتفق عليه
فقها وقضاء أن خصائص العقد الإداري ثلاثة ،هي أن يكون أحد طرفي العقد شخصا عاما،
أن يتعلق العقد بنشاط مرفق عام، وأن يتضمن العقد شروطا غير مألوفة في القانون
الخاص.
وإذا كان توافر
الخاصيتين الأولى والثانية في الصلح في الصيد البحري لا يثير أي إشكال، فإن الأمر
غير ذلك بالنسبة لتوافر الخاصية الثالثة.
أي تتضمن شروطا غير
مألوفة في القانون الخاص، على اعتبار أن المتصالح مهدد بالمتابعة في حالة ما إذا
لم يبرم الصلح، ويمكن للجهة التي أجرت الصلح أن تأمر بمصادرة وبيع الشباك وأجهزة
الصيد الأخرى أو إتلافها إذا كان ممنوعا استخدامها وكل هذه الشروط غير مألوفة في
القانون الخاص، وتعتبر امتيازات حقيقية تفرضها إدارة الصيد البحري بما لها من
امتيازات السلطة العامة.
إلا أن هذا الرأي
منتقد لان التسليم بالصفة الإدارية لصلح يجعل الاختصاص بالفصل في المنازعات التي
تنشأ بسببها للقضاء الإداري، وهذه المنازعات عادة ما تتعلق بتنفيذ الالتزامات
المترتبة عن الصلح كامتناع الشخص المتصالح مع الإدارة أو عجزه عن دفع المقابل الذي
التزم به، أو امتناع الإدارة عن الدفاع بالتزامها، لكن المشرع يستبعد صراحة اختصاص
القضاء الإداري في هذه النزاعات.
إجمالا لا يمكن
القول أنه رغم المحاولات السابقة لتحديد الطبيعة القانونية لصلح في ميدان الصلح،
تبقى قاصرة على تحديده.
وعليه يمكن القول
عموما، بأن الممارسة العملية لمسطرة الصلح المنصوص عليه في ظهير 1973 من المواد 53
إلى 55، تؤكد على أنها عمل إجرائي تترتب عليه آثار بقوة القانون لا يتحقق إلا بعد
وقوع الجريمة ويؤدي إلى انقضاء الخصومة سواء قبل رفع الدعوى أم بعدها، بل حتى صدور
الحكم لكن دون الغرامات والتعويضات
المدنية .
وتملك فيه الإدارة
الصيد البحري سلطة تقديرية واسعة لا تخضع لأي رقابة سواء قضائية أم إدارية.مما
يكرس الامساواة بين أطرافه.
المطلب الثاني :
أطراف الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري
يتم الصلح بين
مرتكبي المخالفة البحرية والإدارة المكلفة بالصيد البحري، إذ يتعين أن يتفق عليها
الطرفان، ذلك أن الصلح ليس حقا لأي منهما فلا تملك الإدارة أن تفرضها على المتهم
بقرار منها، كما أنها غير ملزمة بقبولها إذا طلبها مرتكب المخالفة البحرية، غير أن
رئيس المقاطعة البحرية لا يقوم بتوجيه المحضر إلى المحكمة إلا بعد تطبيق مقتضيات
المادة 53 وما يليها.[8]
وعليه سنتناول هذا
المطلب في فقرتين نخصص (الفقرة الأولى) لممثلي إدارة الصيد البحري المؤهلين لإجراء
الصلح، على أن نتعرض في (الفقرة الثانية) للأشخاص المرخص لهم بالصلح مع الإدارة
المكلفة بالصيد البحري.
الفقرة الأولى :
ممثلي إدارة الصيد البحري المؤهلين لإجراء الصلح
رخص الفصل 53 من ظهير 1973 المتعلق
بالصيد البحري لإدارة الصيد البحري إجراء الصلح مع الأشخاص المتابعين بسبب
المخالفات البحرية، وقام بتحديد المسئولين المؤهلين قانونيا لإجراء الصلح في هذا
الميدان ويشترط توافر الاهلية الازمة للموظف الذي يمثل هذه الادارة في ابرام الصلح
وذلك تبعاللنصوص القانونية واحترام للتسلسل الرئاسي الذي تسير عليه إدارة الصيد البحري1
وبذلك يكون المشرع
قد نهج نهجا خاصا في تحديد الجهة المخول لها إبرام صلح في المجال البحري حيث عمد
إلى تحديدها بدقة تبعا لقيمة الغرامة المحكوم بها. وخولها لثلاثة جهات وذلك في
الفصل 54 من ظهير 23/11/1973 الذي جاء فيه : "ويمارس حق المصالحة :
1- رئيس القيادة
البحرية إذا كانت العقوبات المحكوم بها أو المقررة بما فيها التعويضات المدنية تقل
عن 3000 درهم أو تعادلها.
2- مدير البحرية
التجارية2 والصيد
البحري إذا كانت العقوبات المذكورة تتجاوز 3000 درهم وتقل عن 10.000 درهم.
3- الوزير المكلف
بالصيد البحري إذا كانت العقوبات المذكورة تتجاوز مبلغ 10.000 درهم".
وما تجدر ملاحظته هو
أن المشرع وإن كان قد تحرى الدقة في تحديد الجهة المختصة بإبرام الصلح إلا أن هذا
الفصل يستدعي بعض الملاحظات.
فقد اعتمد في تحديده
للجهة المختصة بإبرام الصلح إما على العقوبات المحكوم بها أو العقوبات المقررة
للجريمة محل الصلح.
- فعندما يتعلق هذا
التحديد بمقدار الغرامات المحكوم بها بما في ذلك التعويضات المدنية فإنه يقتصر على
الصلح بعد صدور حكم نهائي فقط حيث تكون الغرامات قد تم تحديدها لصفة نهائية ويرجع
سبب عدم اعتماد المشرع هنا على نفس المعيار المعتمد عليه من طرف المشرع الجمركي
"قيمة الأشياء والمرتكب الغش بشأنها" لعدم إمكانية حصر هذه الأشياء في
الجرائم البحرية خاصة عندما يتعلق الأمر مثلا بتلويث المياه أو تسميم الأسماك...
والتي لا تترك أضرارا آنية ومحصورة.
- أما قبل النطق
بحكم نهائي فقد اعتمد المشرع على معيار "العقوبات المقررة" والمقصود بها
العقوبات المالية حيث لم يتخذ الجزاءات الحبسية كمعيار بالرغم من تأثير الصلح قبل
الحكم النهائي على هاته الجزاءات وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال يتجسد في كون بعض
الجرائم المذكورة في الظهير معاقب عليها بغرامات حدها الأدنى والأقصى كل الجهات
الثلاث المشار إليها في الفصل 54 المذكور سلفا، ولتوقيع ذلك نورد الأمثلة التالية
:
- نص الفصل 33 [9] من
الظهير على غرامة تتراوح ما بين 5000 و 50.000 درهم.
- ونص الفصل 34 من
الظهير على غرامة تتراوح ما بين 240 و 2400 درهم.
- ونص الفصل 44 من
الظهير على غرامة تتراوح ما بين 1200 و 24000 درهم، ففي هذين الحالتين الأخيرتين
يقل الحد الأدنى على (3000 درهم، اختصاص رئيس القيادة البحرية) إلا أن حدها الأقصى
يتجاوز 10.000 درهم اختصاص وزير المكلف بالصيد البحري فما هو الحل؟
جرت الممارسة
الإدارية أن يرجع الاختصاص للسلطة الإدارية العليا، أي وزير الصيد البحري والذي
يختص كذلك بإبرام مصالحات بخصوص المخالفات المنصوص عليها في الحالة الأولى (المادة
33-1) والفصل 37 [10] بحيث تتراوح الغرامة تبعا
لسعة الباخرة.[11]
ما بين 50.000 درهم
و 1500.000 درهم وكذا الجرائم المنصوص عليها في الفصل 35 حيث تتراوح الغرامة ما
بين 1000 و 10.000 درهم.[12]
- ويكون من اختصاص
رئيس القيادة البحرية إ‘برام مصالحات بشأن المخالفات الواردة في الفصل 38 حيث
تتراوح الغرامة بين 120 درهم و 1200 درهم.
- أما مديرية
البحرية التجارية والصيد البحري فحسب اطلاعنا لم نعثر على أي نص يحصر الغرامة ما
بين 3001 درهم و 10.000 درهم فيتحدد
اختصاصه بعد صدور حكم نهائي يحصر مبلغ الغرامة في المقدار المنصوص عليه قانونا.[13]
غير أن الإشكال الذي
يطرح هو الآخر غموض النص أي ظهير 1973-
قبل النطق بالحكم- لم يحد الجهة التي تجري
الصلح، هل بناءا على مبالغ الغرامات كما فعل الظهير مع الصلح التي تجري بعد الحكم
أم على عناصر أخرى؟
إضافة إلى إشكالية
أخرى أكثر جدلا وهي أن المشرع المغربي لم يخضع الصلح لأية رقابة قضائية سابقة على
إبرامها، بحيث لم يشترط موافقة القضاء على إبرام الصلح حتى في الحالة التي تكون
فيها القضية مثارة أمام المحكمة.
وكان المشرع المغربي
الاقتضاء بالمشرع الجزائري ،الذي لم يتعرض للصلح في ميدان الصيد البحري، إلا أنه
نص على أن المحاضر التي يحررها الأعوان ترسل لزوما لوكيل الجمهورية للجهة القضائية
المختصة إقليميا.[14]
لذلك فإدارة الصيد
البحري تتمتع بسلطة تقديرية كاملة ومطلقة في إجراء الصلح حسب الجريمة ودرجة خطورة
المتابع، ويمكنها إما الموافقة على إجرائه أو متابعة المتهم أمام الجهة القضائية
المختصة وفي جميع الحالات غير مجبرة بتعليل قراراتها،غير آن هذه الحالة قد تتعارض
مع التوجه الجديد للمشرع المغربي الذي يلزم الإدارات بتعليل قراراتها الإدارية.
كما أن رئيس
المقاطعة البحرية له سلطات أوسع بالنسبة لصلح في الحالة التي ترتكب فيها السفن
المغربية مخالفات الصيد دون رخصة حيث يقوم بالأمر بأداء غرامة يحددها على أن تكون
مساوي ثلاث مرات رسوم الرخصة التي كانت يجب على المخالف أداؤها، وتتقادم هذه
الغرامة بمرور أربع سنوات[15] ولم
يبين النص انطلاق هذا التقادم، ويمكن القول أن ذلك يتم إما من تاريخ الأمر به إذا
كان المخالف حاضرا، أو من تاريخ التبليغ في حالة غيابه، وفي جميع الأحوال فان مثل
هذه المقتضيات تكتسي طابعا إيجابيا بقدر ما هو سلبي في ميدان زجر المخالفات إذ أن
أي إهمال من الإدارة في المطالبة يؤدي إلى تقادم الغرامة.
أما بالنسبة للمشرع
المصري، فلقد أحال على تنظيم هذه الإجراءات على لائحة تنفيذية، غير أن الدعوى
تنتهي بمجرد دفع مبلغ الصلح وهو مبلغ يساوي نصف قيمة الغرامة الموضحة في هذه
المواد[16] نفس
النهج سار عليه المشرع الليبي الذي جعل عقوبة الغرامة هي أساس الصلح.[17]لذلك
لابد من تقييم المسطرة كآلية قانونية لفض النزاعات.
الفقرة الثانية :
تقييم مسطرة الصلح في ميدان الصيد البحري
برجوعنا لمشروع 1998 م نجده نظم مسطرة الصلح
في عدة فصول (من المادة 92 إلى 95)، ذلك أنه ومن خلال هذه المواد لم يدرج عبارة
"بعد الحكم" فهل اتجهت نية واضعي المشروع إلى استبعاد إمكانية إبرام
الصلح بعد الحكم؟ كما هو معمول به في المسطرة التقليدية لظهير 1973 والتي تميز بين
ما قبل الحكم وما بعد الحكم هذا الأخير الذي لا يكون الصلح جائزا إلا في الغرامات
والتعويضات المدنية، والتي في جميع الأحوال يجب ألا تقل عن الحد الأدنى للغرامة
المنصوص عليه قانونا.
كما أن المادة 93 لم
تحدد الجهات التي تسهر على إبرام الصلح، بل اكتفت بذكر السلطات المكلفة بالصيد
فقط، ولم توضح كيفية تحديد هذه الجهات بناءا على قيمة الغرامات، وبذلك يكون
المشروع قد فتح المجال لتداخل الاختصاص بين هذه السلطات.
من الأكيد إذن أن
المخالفات في ميدان الصيد البحري تدخل في زمرة الخروقات الاقتصادية، ذلك أنها
تستهدف مجالا استراتيجيا له دور كبير في التنمية الاقتصادية للأمة المغربية
المرتبة الثانية من حيث الصادرات المغربية، كل ذلك توجب على المشرع المغربي ومنذ
الاستقلال بناء ترسانة قانونية من شأنها حماية هذا القطاع الحيوي. إلا أنه للأسف
توجد ثغرات شجعت بشكل أو بآخر كثرة الخروقات المضرة بميدان الصيد من بينها مسطرة
لجوء الإدارة بصفة تكون دائمة إلى نظام الصلح، هذا النظام الذي يفرغ أي قاعدة
زجرية تهدف إلى حماية الثروات البحرية من محتواها، كذلك الغموض الذي يشوب النص –
ظهير 1973- بخصوص الصلح قبل الحكم بسبب عدم التنصيص عليه صراحة ولا نفهمه إلا
ضمنيا من مقتضيات المادة 48 من ظهير التي تقضي بأن "رئيس المقاطعة البحرية لا
يقوم بتوجيه المحضر إلى المحكمة إلا بعد تطبيق مقتضيات المادة 53 وما يليها"
وهذه الأخيرة تتعلق بإجراء الصلح، كذلك غياب مقتضيات تتعلق بالجهة التي تجري الصلح
وكيف تحدد هذه الجهة هل بناء على مبالغ الغرامات كما فعلت مع تلك التي تجري بعد
الحكم أم على عناصر أخرى ؟[18]
أضف إلى ذلك مشكل
الرشوة والمحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ الذي يمكن أن يكون سبب لضياع الثروة
السمكية، بل حتى الغرامات لا يمكن أن تتناسب مع ثروة لابد من الحفاظ عليها للأجيال
القادمة.
كما أن عدد
المخالفات أصبح في ارتفاع مهول، مما يحتم عليه النظر في قيمة هذه المؤسسة، ودوافع
تشبت الإدارة بها وتطبيقها بالأولوية واللجوء المباشر إليه.[19]
مجموعة من التشريعات المقارنة، كالجزائري لا تعترف بهذا النظام بل تجعل القضاء هو
الوحيد المختص بالنظر في المخالفات المرتبطة بالميدان.
عموما يمكن القول أن
هذا النظام سلبياته أكثر من مزاياه بل فيه يضيع مفهوم العدالة الجنائية، وتضيع
حقوق المخالفين سواء أثناء تحرير المحاضر أو أثناء إجراء عقود الصلح ودفع مبلغ
الغرامات وما يخلف ذلك من آثار على ذمتهم المالية.
المبحث الثاني :
آثار الصلح الإداري في ميدان اليد البحري
يترتب على الصلح
المبرم بين المخالف والإدارة المكلفة بالصيد البحري آثار مهمة سواء بالنسبة للشخص
المتابع، من جهة والإدارة المكلفة بالصيد البحري من جهة أخرى.
هنا يثار سؤال حول
مدى انطباق قاعدة نسبية الصلح المقرر في قانون الالتزامات والعقود، على الصلح
الإداري في ميدان الصيد البحري، فإذا كان الأصل قانون الالتزامات والعقود أن أثره
لا ينصرف على غير عاقديه.
بحيث لا ينتفع الغير
به ولا يتضرر منه، فهل هذه القاعدة صالحة أيضا في مجال الصيد البحري باعتباره مجال
من مجالات القانون الجنائي الخاص.
سوف نحاول الإحاطة
بهذا الموضوع بشكل مفصل وذلك بتقسيمه على مطلبين نتناول آثار الصلح الإداري اتجاه الأطراف في (المطلب الأول) وآثاره اتجاه
الغير في (المطلب الثاني).
المطلب الأول : آثار
الصلح الإداري اتجاه طرفيه
تختلف آثار الصلح
الإداري اتجاه طرفيه باختلاف المرحلة التي يتم فيها وعليه سنتناول آثار الصلح
الإداري قبل صدور حكم نهائي في (الفقرة الأولى) وكذا آثار الصلح الإداري بعد صدور
حكم نهائي في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :
آثار الصلح قبل صدور حكم نهائي
يترتب على الصلح في
ميدان الصيد البحري المبرم قبل صدور حكم نهائي انقضاء الدعوى العمومية ودعوى إدارة
الصيد البحري، بحيث نص المشرع المغربي في الفصل 42 من ظهير 23/11/1973 "يرفع
رئيس القيادة البحرية القضية على وكيل جلالة الملك لدى المحكمة المختصة لجل
المتابعة بعد الإطلاع على المحضر المثبتة فيه المخالفة إذا كان الأمر لا يقتضي
تطبيق الفصل 53 وما يليه".
هكذا يستفاد من هذا
النص أن إجراء رفع القضية من طرف رئيس القيادة لا يتم اللجوء إليه إلا بعد اللجوء
إلى الصلح الإداري كخطوة أولى لإنهاء النزاع وهذا ما يؤكده الفصل 42 "... إذا
كان الأمر لا يقتضي تطبيق الفصل 53 وما يليه ..." يعني أن إجراء الصلح هو
الأول ثم بعد ذلك في حالة فشله أو بعد موافقة المخالف على مبلغه برفع محضر المخالف
لوكيل الملك لتحريك الدعوى العمومية اتجاهه. وهذا ما أكد عليه المشرع المغربي في
قانون المسطرة الجنائية الجديد "يمكن للطرف المتضرر أن يتخلى عن دعواه أو
يصالح بشأنها أو يتنازل عنها دون أن يرتب عن ذلك انقطاع سير الدعوى العمومية أو
توقفها إلا إذا سقطت هذه الدعوى تطبيقا للفقرة الثالثة من المادة الرابعة مع
مراعاة مقتضيات المادة 372 بعده".
غير أن المشرع
المغربي خرج على هذا المبدأ أو سمح بإجراء صلح تنقضي به الدعوى الجنائية،[20]
وظهير 23/11/1973 م كذلك يجيز للإدارة المعنية إبرام صلح مع المخالف بخصوص
المخالفات التي ارتكبها هذا الأخير بعد يحرر الأعوان المشار إليهم في الفصل 43 من
ظهير 23/11/1973) المحاضر المثبتة فيها المخالفات.
أعتقد أن الذي كان
يجب أن يسمح له بإبرام الصلح هو وكيل الملك على اعتباره ممثل الأمة، ومدافع عن
الحق العام أكثر من الإدارة التي لا يمكن أن تمثل في أي حال من الأحوال سوى نفسها
وتكتفي فقط بالجانب الإداري وفي حالة إبرامها لصلح، فان هذه الصلح يكتسي قوة الشيء
المقضي به ولا يمكن متابعة المتصالح على المخالفة محل الصلح،ويحق للمتابع أن يدفع
بسبق المصالحة لرفض أي طلب جديد قد تتقدم به الإدارة المكلفة بالصيد البحري،
ويتعين على الجهة القضائية التي يدفع أمامها المتهم بسبق الصلح أن تتأكد من
ذلك،أما الإدارة المكلفة بالصيد البحري فبعد إبرام الصلح يسقط حقها في متابعة
المخالف للقوانين والأنظمة المنظم للصيد البحري، فالدعوى العمومية تنقضي بالصلح
ولا يمكن الاستمرار في إجراءاتها أمام المحكمة.
هكذا إذا كان ملف
الدعوى على مستوى الإدارة المكلفة بالصيد حفظ وإذا كان على مستوى النيابة العامة
تطلب الإدارة المكلفة بالصيد حفظه، وإذا كان على مستوى جهات الحكم تقضي بانقضاء
الدعوى العمومية بسبب الصلح فهي توقفها سواء في المرحلة الابتدائية أم المرحلة
الاستئنافية ما لم يصدر حكم نهائي في النازلة.
ونشير إلى أن جواز
الصلح بعد تحريك الدعوى العموميةـ يؤدي إلى حرمان الجهاز القضائي من سلطته في البث
في القضية المعروضة أمامه، مما يشكل خرقا لمبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطة
التنفيذية.
غير أن السؤال الذي
يظل يحيرني هو ما هو الحل في حالة انعقاد الصلح ووافق عليه الطرفين وامتنع في
الأخير الملزم تنفيذ التزامه بسداد مقابل الصلح ،
هناك مجموعة من
الحلول المطروحة أمام الإدارة في حالة عدم تنفيذ المتصالح لالتزاماته
التصالحية،والعوض الذي يدفعه المتصالح في ميدان الصيد البحري هو مشتركا بين خزينة
الدولة والعوض الذي ضبط المخالفة وكذا
الإدارة المعنية بالمر ،فان القواعد العامة تفرض على الإدارة اللجوء إلى القضاء
المدني للمطالبة إما بتنفيذ الصلح أو المطالبة بفسخه.
_ فإذا التجأت
الإدارة إلى المطالبة بتنفيذ بنود الصلح فإنها لن تستطيع إثارة الدعوى العمومية
أمام القضاء الزجري لان الدعوى العمومية منتهية وبالتالي ستكون مضطرة للعمل على
تنفيذ الصلح ،مادام المشرع قد خول لإدارة الصيد البحري ،سلطات هامة تخولها إجبار
المتصالح على تنفيذ التزاماته عن طريق الإكراه الداري أو مسطرة الأمر بالأداء إذا
كان الصلح مضمون بالتزام مكفول أو بكفالة صرفية
_ أما عن إمكانية
المطالبة بفسخ الصلح قضائيا .خاصة أن الفسخ قد يختلق وضعية جديدة يعيد الأطراف إلى
الحالة التي كانوا عليها قبل إبرام الصلح وتعمل الدارة على الفسخ القضائي لكي
تتفادى دفع المتصالح بانقضاء الدعوى العمومية ،عن طريق الصلح ثم تعمل بعد ذلك علي إثارة الدعوى العمومية أو
متابعة الإجراءات أمام القضاء الزجري آو متابعة تحصيل الغرامة المحكوم بها ،ولكي
تتفادى الدارة كل هذه المعايير فإنها تمكن المتصالح من نسخة وثيقة الصلح للدفع بها
أمام القضاء إلا بعد تنفيذه لالتزاماته التصالحية.
_ أو تطبيق مسطرة
الإكراه البدني " وسيلة تنفيذ مرتبطة بقوة القانون بالإحكام الصادرة بالغرامة
أو التعويضات وجميع الادءات المحكوم بها لصالح الخزينة العامة من طرف محاكم زجرية
بخصوص جريمة لا تحمل صيغة جريمة سياسية وغير معاقب عنها بالسجن المؤبد، وبهدف هذا
الإجراء إلى إرغام الظنين على ما عليه تجاه الخزينة عن طريق الزج به في السجن ،لكن
حينما تنفذ في مواجهة معسر فإنها تأخذ صيغة جزاء"
في حالة إخلال
المتصالح بالتزاماته،لكن لابد من وجود حكم نهائي غير قابل لأي طعن عادي أو غير
عادي خاصة مع عدم وجود نص في ظهير 1973. أو مسطرة التنفيذ الجبري. غير أنها تتطلب
الأخرى صدور حكم نهائي قضائي، غير أن هناك مجموعة من التحرزات والتي يمكن للإدارة
اللجوء إليها لضمان التزام المتصالح بتنفيذ بنود الصلح
_ الأداء الفوري
للعوض .أي حصول الإدارة على مبلغ الصلح بمجرد إبرامه ويشكل ضمانة للمتصالح بحيث لا تملك الإدارة وقت
لتراجع على الصلح
_ جرت العادة على
حصول الإدارة على إبرام الصلح مؤقت، حيث تحصل فيه الإدارة مسبقا وقبل الصلح
النهائي على مبلغ نقدي كافي لتغطية مبلغ عوض الصلح.
_ من بين الضمانات
المخولة للإدارة توسيع المشرع لدائرة الأشخاص الجائز التصالح معهم ،وكذا التوسيع
في مبدأ المسؤولية الجماعية عوض المسؤولية الفردية والطابع الجماعي لهذه المسؤولية
يقتضي التضامن بين كافة الفاعلين والمساهمين والمشاركين
_ يمكن لإدارة وضما
لأداء العوض ، اللجوء إلى مجموعة من الإجراءات القانونية مثل رهن منقولات المتصالح وعقاراته .... وفي حالة عدم التنفيذ يتم اللجوء إلى
القواعد القانون المدني المتعلق بالرهن من اجل استيفاء الدارة لدينها
_ والإدارة تتوفر
على سلطة مهمة لضمان تحصيل عوض الصلح وذلك عن طريق اتخاذ مجموعة من الاحتياطات لكي
ليصبح الصلح وسيلة للتهرب من العقاب ،هذه الاحتياطات فرضتها وكرستها تجربة الإدارة
في هذا المجال خاصة وان المشرع المغربي لم يحدد في اغلب الحالات سقف الزمني الذي
يجب فيه أداء مبلغ عوض الصلح وإنما ذلك لتقدير الدارة إلا في حالة استثنائية
ومحدودة في الفصل 52 من ظهير 23.11.1973 ، والذي ينص على "اجل ثلاثة أشهر
لأداء مبلغ عوض الصلح".
غير آن أهم إجراء هنا يكمن ا ما تنفيذ الصلح
جبرا، كما هو الحال في المادة الجمركية، وذلك بإكراه المتهم على سداد مقابل
التصالح، أو فسخ التصالح مع التعويض[21] أو
حق الإدارة المكلفة بالصيد البحري والنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية من
جديد لأنه بانتقاد أداء مقابل التصالح ينبغي قيام الصلح.
الفقرة الثانية :
آثار الصلح بعد صدور حكم نهائي
يمكن إجراء الصلح
بعد صدور حكم نهائي غير أن هذا الصلح لا يمكن في أي حالة من الأحوال أن ينصب إلا
على العقوبات المالية والتعويضات المدنية[22]
بمفهوم مخالفة لهذا النص أن لا يمكن إجراء الصلح بعد الحكم على العقوبات الحبسية،
التي إن تم الحكم بها فعلى المخالف قضاء الفترة الحبسية المحكوم عليه بها.
غير انه في نظري على
المشرع المغربي ألا يسمح بإجراء الصلح الإداري بعد النطق بحكم حائز لقوة الشيء
المقضي به احترام السلطة القضائية، وضمانا للاستقلال سلطة القضاء عن السلطة
التنفيذية.
وكان من الأجدر أن
يتم تنظيم وتقنين في ظهير 23/11/1973 الصلح قبل النطق بالحكم، أكثر من تنظيمه بعد
صدور الحكم.
غير أن الصلح بعد
الحكم من طرف الجهات التي تحدثنا عليها سابقا لا يجب أن يقل في أي حال من الأحوال
الصلح عن المقدار الأدنى للغرامة المطبقة.
كذلك ما يعاب على
المشرع المغربي عدم تقييده بإجراء الصلح بوقت معين هذا ما جعلها قد يتم اللجوء قبل
إثارة الدعوى العمومية أو بعد إثارة الدعوى العمومية وقبل صدور حكم نهائي، أو حتى
بعد صدور حكم نهائي وبما أن الصلح بعد صدور حكم نهائي مميزة يتميز بها التشريع المغربي فهي ميزة كذلك عن
عقد الصلح المدني على اعتبار أن هذا الآثار هو من وضع المشرع ولا دخل نهائيا
لإرادة المتصالحين في هذا التحديد على خلاف الأمر في عقد الصلح المدني الذي يكون
لإرادة الأطراف فيه القول الفصل في تحديد آثار عقد الصلح المدني.
والمشرع المغربي
عندما جعل الصلح حتى بعد الحكم النهائي كأنما جعل الصلح يتعلق بجرائم لا تثير
الشعور العام لأنها جرائم اصطناعية ارتبط ظهورها بالتطور الاقتصادي الذي عرفه
المجتمع وبالتالي فإن التصالح بشأنها لا يشكل
أي مساس بالنظام العام.[23]
غير أن هذا الأمر هو
منتقد فحتى هذه الجرائم وإن كانت ذات طابع مالي تثير النظام العام خاصة الاقتصادي
منه فالمشرع عندما يعمد على تجريم تصرف معين فلأنه يشكل خطرا على الاستقرار
الاجتماعي "فكل تصرف غير مشروع يعتبر خطرا من وجهة نظر المجتمع".[24]
فهذه الجرائم وإن
كانت لا تثير استنكار المجتمع فهي تمس النظام العام وهي عكس الجرائم الأخرى تلحق
ضررا بالمجتمع انطلاقا مما يلحق بأفراده من ضرر[25]
فإنها تلحق ضررا مباشرا بالمجتمع ثم ينعكس هذا الضرر على الأفراد "فالجرائم
البحرية تزعزع النظام العام... إذ بالرغم من عدم تعامل الرأي العام معها بحساسية
فإن الضرر يلحق الاقتصاد الوطني ويمس المجتمع برمته.[26]
وبالتالي ليس هناك
مبرر موضوعي للتمييز بين هذه الجرائم من حيث إعمال آثار الصلح.
غير أنه في
نهاية هذه الفقرة لابد من الإشارة إلى أن
الصلح مرتبط بالمخالفات في ميدان الصيد البحري دون غيرها من المتابعات التي قد
تكون أرتكبت إلى جانبه فلا تنسحب آثاره عليها على ما يرتبط به من جرائم الحق
العام.
المطلب الثاني :
آثار الصلح اتجاه الغير
القاعدة في القانون
المدني أن آثار العقد لا تنصرف إلى الغير الأجنبي عنه، بحيث لا ينتفع بها ولا يضار
منها.[27]
ويطرح سؤال على مدى
انطباق هذه القاعدة على الصلح الإداري في ميدان الصيد البحري.
سنحاول الإجابة من
خلال فقرتين :
الفقرة الأولى :
الصلح الإداري لا ينفع الغير
إن الصلح الإداري
المبرم مع أحد المخالفين للقوانين والأنظمة المنظمة لقطاع الصيد البحري لا تشكل
عائقا أمام المحكمة للحكم على باقي الأشخاص الآخرين الذين ساهموا معه في ارتكاب
الجريمة أو شاركوه في ارتكابها، على اعتبار أن الطبيعة العقدية للصلح الإداري وما
يستتبع ذلك من خضوعها لمبدأ نسبية العقود المطبق في قانون الالتزامات والعقود،
بحيث لا ينتج الصلح آثار سوى في مواجه المتعاقدين ولا تمتد إلى الغير الأجنبي
عنها، غير أن ظهير 23/11/1973 مزج بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية، حيث
يعتبر المجهز والمستأجر مستودع سفن الصيد، مسؤولين مدنيين عن أداء الغرامات
والتعويضات المدنية المحكوم بها ضد ربان السفينة وطاقمها، ومستغلي مؤسسات الصيد
ومستودعات المنتوجات البحرية عن تلك المحكوم بها ضد التابعين والعمال، لمخالفتهم
قوانين وأنظمة الصيد.[28]
أما بخصوص المصالح
لم يتطرق الظهير لهذا الأمر أي تقدير الجزاءات المالية من طرف القضاء سيأخذ بعين
الاعتبار ما دفعه المتهم المتصالح ويخصم حصته عند حكمه على باقي المتهمين الذين لم
يجروا المصالحة مع الإدارة.
لكن الأكيد أن
المتهمون المحكوم عليهم بعقوبات مالية، يحكم عليهم بمجموع مبلغ العقوبات المالية.
الفقرة الثانية :
الصلح الإٌداري لا يضر الغير
القاعدة العامة أن
آثار الصلح لا يتعدى طرفيه فلا ينتج عنه ضرر عاقديه، وهذه القاعدة تجد أساسا لها
في أحكام قانون الالتزامات والعقود.
وعليه، فإذا ما أبرم
أحد المخالفين صلح مع الإدارة المكلفة بالصيد البحري، فإن شركاؤه والمستفيدين من
المخالفة والمسئولين مدنيا لا يلزمون بما يترتب على ذلك التصالح من الآثار في ذمة
المخالف الذي أبرم الصلح.
كما لا يجوز للإدارة
المكلفة بالصيد البحري الرجوع إلى أي واحد منهم عند أخلال المخالف المتصالح-
بالتزاماته ما لم يكن يرجع إليه ضمانا له، أو متضامنا معه، أو أن المتهم كان قد
باشر الصلح بصفته وكيلا عنه.
أما إذا اشترط عقد
الصلح مصادرة البضائع والتي حجزت لفائدة الإدارة فإن آثار فقد الملكية يسري في حق
المالكين الأصليين ولا يمكن لهم الحصول عليها نهائيا لأنها قد قامت بشأن صلح بين
الإدارة والمخالف.
ومن جهة أخرى أعطى
المشرع سلطة مطلقة لإدارة في تسوية جرائم الصيد البحري عن طريق الصلح، حتى أصبحت
هي الخصم والحكم في نفس الوقت، إذ لها وحدها دون رقابة القضاء إنهاء المخالفة صلحا
أو تجاوزا عنها.
لذلك نؤكد على ضرورة
اشتراط موافقة القضاء على إبرام الصلح والمصادقة عليه في حالة تحريك الدعوى
العمومية حتى لا يصبح الصلح عاملا على تسهيل ارتكاب مخالفات المرتبطة بالصيد
البحري وبالتالي استنزاف ثرواتنا الوطنية.
[1] ضحى عبد الله الجنيدي "جريمة
التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء مطبعة البهجة ،الطبعة الأولى، بيروت،2002.
[2] عبد الوهاب عاقلاني : القانون الجنائي الجمركي،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص. جامعة الحسن الثاني
كلية الحقوق الدار البيضاء ، السنة الجامعية 2000/2001.
1 Alain Piquernal . « le Maroc et les
nouvelles tendances du droit des pêches maritimes », les droit maritime
marocain,. Travoux des journées internationales du droit maritime marocain (10 à 15 septembre 1979) Ministère,Istiut ;National
d études juridiques imprimerie de
littoral, rabat, 1981, p 149et 151 .
2 Maurice Liotard . « pêche » ency.d. pénal ?p.10.
3 couse- luismery froncoiis.op.cet.p.54.
[3] ولو أن النص لم يوضح فإن المقصود بهذه الأخيرة
تلك التي تضررت فيها الدولة أما إذا كان المتضررون هم غيرها فإن الصلح يجب أن يجرى
من طرفهم، ادريس الضحاك م س الهامش 80 الصفحة 36.
1 . Gérard Kellin « le
répression de la fraude fiscale » ?thèse doctorat 1975.faculté de droit nante . p 515
[8] راجع المادة 48 من الظهير 1973 والتي تنص على
"يرفع مندوب الصيد البحري القضية إلى وكيل جلالة الملك لد المحكمة المختصة
لأجل المتابعة بعد الاطلاع على المحضر المثبتة فيه المخالفة إذا كان الأمر لا
يقتضي تطبيق الفصل 53 وما يليه".
1 . . تجدر الشارة
إلي أن المشرع سلكا مسلكا يخدم إغراضه المادية، عند تحديد أشخاص الإدارة المخول
لهم إجراء الصلح وذلك نظرا لطابعها الاستثنائي واحترام التسلسل الرئاسي الذي تفرضه
هذه الإدارة بالرغم من توسيع لدائرة الأشخاص المخول لهم الحق في ضبط الجرائم البحرية والتي يجوز التصالح بشأنها حسب الفصل 43.من
ظهير 1973 ،وفي مقابل هذا التضخيم هناك توسيع في دائرة الأشخاص التي يجوز التصالح
معهم.
[9] المادة معدلة بظهير شريف رقم 1.04.26 صادر في
فاتح ربيع الأول 1425 (21 ابريل 2004) بتنفيذ القانون رقم 03-39.
100 طن غرامة 100.000 درهم – 250.000 درهم.
200 طن غرامة 250.000 درهم – 150.000 درهم.
[12] عدلت المادة بظهير شريف رقم 1.99.195 صادر في 13
جمادى الأولى 1420 (25 غشت9 199) بتنفيذ القانون رقم 99-24.
[15] المادة 38 من ظهير 1973م "يجري ويقرر هذه
الغرامة رئيس القيادة البحرية للمكان الذي تساق إليه الباخرة، ويجري التقادم بشأن
أداء هذه الغرامة الإدارية بعد انصرام أجل أربع سنوات".
[17] الفقرة الثانية .المادة 2 من القانون الليبي
البيئي والتي تنص على "استثناء من أحكام قانون العقوبات يجوز في الجرائم
المعاقب عليها بموجب المواد السادسة والستين والسابعة والستين والثامنة والستين
والتاسعة والستين من هذا القانون وذلك بين الجهة المختصة المشار إليها في الفقرة
السابقة، أي التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وبين المخالف وذلك طبقا
للإجراءات والشروط التي يتفق عليها الطرفان على ألا تقل القيمة المالية التي يجري
التصالح بشأنها عن الحد الأدنى للغرامات المحددة بتلك المواد"
[19] أضف لذلك أكبر مشكل تعاني منه المنطقة الجنوبية
بحيث أن الذين يحررون المحاضر همخ نفسهم أصحاب سفن الصيد فكيف يعقل أن يقوموا
بتحرير محاضر تدينهم في حالة مخالفة ظهير 23/11/1973.
[21] حسن بوسقيفة "المصالحة في المواد الجزائية
بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص" دار ... للطباعة والنشر
والتوزيع الجزائر 2005 صفحة 38.
[25] إحداث سيدي إفني الأخير خير دليل على ذلك
بانطلاق موجات الغضب تسبب فيه اصطياد عدد كبير من سمك السردين وثم رميها في
الميناء مما حرك غضب الساكنة على ضياع الثروة السمكية الوطنية.
[26] Mohammed. Drissi Alami op cit p. : 41.
[27] ينص الفصل 288 من قانون الالتزامات والعقود على
أن "الالتزامات لا تلتزم إلا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا
تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون".
0 التعليقات:
إرسال تعليق