ذ. أحمد لغزال
باحث بسلك الدكتوراه
بكلية الشريعة بفاس
مقدمة
لقد حرص الإسلام على وحدة المسلمين، وأكد على أخوة الدين، وأمر بكل ما فيه تأليف القلوب، ونهى عن كل أسباب العداوة والبغضاء والقطيعة والهجران، ومن بينها الخصام الذي يقع بين جميع فئات المجتمع، بين الرجل وزوجته، وبين القريب وقريبه، وبين الجار وجاره، وبين الشريك وشريكه، وبين العشائر بعضها مع بعض، وهذا أمر طبيعي حتمي ومشاهد لا يمكن إنكاره وأسبابه كثيرة لا حصر لها.
وبالخصام يتحول الحال؛ فبعد المحبة والصفاء تحل العداوة والبغضاء، وبعد القرب والوصال تكون القطيعة والهجران، ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم والمستقبل.
لهذا أمر الشرع بالسعي في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين وحث عليه، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10)
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم السعي والإصلاح بين الناس وكان يعرض الصلح بين المتخاصمين وقد باشر الصلح بنفسه حين تنازع أهل قباء فندب أصحابه وقال: "إذهبوا بنا نصلح بينهم".
رغم أن القضاء هو الوسيلة الأساسية في حل النزاعات، وبه تظهر الحقوق وتنقطع الخصومات، إلا أنه كثيرا ما يتسبب في القطيعة خاصة بين الأقارب والجيران، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن".
إضافة إلى أن القضاء في الوقت الراهن يعاني من كثرة القضايا المعروضة عليه والتي باتت تثقل كاهل القضاة والموظفين، الأمر الذي أثر سلبا على سير إجراءات التقاضى، التي يطول أمدها، والتي زاد من حدتها تعقد الإجراءات والمساطر الناتجة عن تفاعل عدة مؤثرات وتدخل عدة فاعلين، لا سيما في حل المنازعات العقارية التي تستدعي وقتا طويلا لحلها، ومن واقع بعض الإحصائيات المتوفرة، فإن المنازعات العقارية تشكل نسبة غير قليلة أمام القضاء سواء كانت خلافا حول تملك العقار، أو في عقود المقاولات والإنشاءات، أو في دعاوى القسمة والخروج من الشياع، ولا يخفى ما يستوجبه نظر هذه القضايا من جهد ووقت كبيرين تفرضه، الطبيعة المعقدة غالبا لمثل هذه القضايا.
لذلك وفي سبيل اختصار الطريق أصبح الأفضل اللجوء إلى الصلح التوفيق، الذي هو من أقدم الوسائل التي كان يلجأ إليها الأفراد لفض المنازعات بينهم، بل يمكن اعتباره أقدم من القضاء؛ حيث كان الناس في ظَل عشائرهم يلجئون إلى أحد الأشخاص المعروف بحكمته ونزاهته؛ لعرض النزاع عليه وطلب تدخله لإبرام صلح وتوفيق بين الطرفين يحفظ ماء الوجه لهما معا لا غالب ولا مغلوب.
ومن بين وسائل ود تطبيقات الصلح والتوفيق الَة القسمة الرضائية؛ التي تعتبر أهم حالات إنهاء الملكية الشائعة في العقار؛ التي تقف عقبة أمام المالكين تحد من حرية التصرف كل مالك بالحصة الشائعة بشكل مستقل ومنفرد عن بقية المالكين، مما يترتب عليه كثرة رالصراعات والخصومات والنزاعات، في حالة إبقاء الشياع أو في حالة قسمة الشياع قسمة قضائية في المحاكم والتي غالبا ما تتسبب في تفكيك الروابط الأسرية.
وإن أهم سبب دفعني لأكتب في هذا الموضوع هو أنه واقع معاش في حياتنا اليومية الأسرية، إذ لا يخلوا الإنسان من كونه وارثا أو موروثا، فضلا عن إمكانية كونه شريكا أو خلفا للشريك.
فماهي إذن القسمة الرضائية ؟ وما هي أحكامها ؟ وإلى أي أحد يمكن اعتبارها وسيلة بديلة لحل وفض المنازعات العقارية بعيدا عن القضاء والقسمة القضائية؟
وسأتناول هذا الموضوع في مبحثين :
المبحث الأول : ماهية القسمة الرضائية.
المبحث الثاني : أحكام القسمة الرضائية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق