المقدمة
تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية، فهى ملازمة للجماعة وترتبط بها وجودا وعدما، وقد حاول بعض الفقه التدليل على اجتماعية وكونية الجريمة بتبيان المراحل التي يمر منها ارتكاب السلوك الإجرامي، والتى عددها في ثلاثة؛ سن القواعد الجنائية، ومخالفة هذه القواعد، ثم إيقاع الجزاء على مخالفها.
فالمرحلة الأولى تتمثل في وضع أو سن القواعد الجنائية، وذلك من خلال صياغة نمط اجتماعي معين من طرف الجماعة والتي تقوم بفرضه على أفرادها، وتضع لأجل ذلك قواعد زاجرة تطال كل من يخالف هذا النمط الاجتماعي، فوضع القواعد القانونية هو الذي يساعد على ارتكاب ما يخالفها، فكل ممنوع مرغوب فيه وأحب إلى النفس ما مُنحَ.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل في عدم احترام هذه القواعد، حيث يلقى الأفراد صعوبات في استيعابها والانضباط إليها، فيقع انتهاك هذه القواعد الأساسية للسلوك الاجتماعي في شكل جرائم تستوجب إيقاع العقاب، هذا الأخير، يشكل جوهر المرحلة الثالثة، فكلما أحس المجتمع بأن أمنه ونظامه مهدد، إلا وسارع إلى وضع قواعد تنظم نمط العيش داخل المجتمع، ويفرض عقوبات على من يخالفها.
وهكذا، فهذه المراحل الثلاثة للجريمة، تكون صلته واحدة تعمل كل واحدة على خلق الأخرى وإخراجها إلى حيز الوجود، فالسلوك المفروض من طرف الجماعة يوفر الانتهاك، وهذا الأخير يستوجب العقاب، وعندما يقع العقاب، يمس المجتمع بالخوف والقلق نتيجة ارتكاب الجرائم، فيحدد إلى سن القواعد جنائية جديدة لحمايته فتقع مخالفة هذه القواعد، وهكذا إلى أن تكتمل الحلقة، فحلقية الجريمة واستمرارها واستقرارها دليل على اجتماعيتها وكونيتها.
إذا تقرر أن الجريمة ظاهرة اجتماعية طبيعية، غير مرتبطة بمكان ولا زمان معين، فإن ما لم يعتبر طبيعيا هو تجاوزها للحد المعقول كما أو كيفاء فتجاوز مستوى الجريمة لسقف معين، أو العصور أصناف من الجرائم تتصف بالخطورة وشدة تهديدها للنظام العام والأمن الاجتماعي يستلزم من أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية أن تطافر جهودها وتعمل في إطار من التعاون غايته الأساسية مكافحة الجريمة أو الحد منها على الأقل.
إن تنامي ظاهرة الجريمة؛ أدى إلى ظهور مجموعة من المدارسة والنظريات الفلسفية تهتم بهذه الظواهر وتدرسها من خلال عدة عوامل سواء في تفسير السلوك الإجرامي، والبحث عن أسبابه ودوافعه ومحاولة إيجاد أنجع الأساليب لمنع تكراره. وقد تطرقت هذه المدارس والنظريات العلمية إلى التجريم والعقاب، كل حسب تصورها وأفكارها سواء في الفكر القديم أو عند المدرسة التقليدية أو المدرسة الوضعية أو حركة الدفاع الاجتماعي.
ويقصد بالتجريم تحديد الأفعال المجرمة والمحظورة التي ينبغي عدم إتيانها لما يترتب عليها من تهديد المجتمع بالضرر وتعريض أمنه للخطر، ويجب إقرار الجريمة والعقوبة المترتبة عليها، وهو ما يعبر عنه بشرعية التجريم والعقاب التي يحكمها ضابطين أساسيين: الأول ضابط التكليف والثاني ضابط الجزاء. و يقصد بالعقوبة أو العقاب انتقاص من حقوق قانونية بالإنسان تنزله سلطة القضاء وبمن سلك سلوكا يحظره قانون العقوبات، ويعتبر وسيلة لمنع إتيان ذلك السلوك مرة أخرى سواء من جانبه او من جانب مواطن من المواطنين.
وعليه يمكننا طرح التساؤل التالي:
كيف عالجت النظريات الفكرية سواء القديمة أو الحديث موضوع التجريم والعقاب؟ وما هي الأفكار وحلول هذه النظريات؟ وما هو توجه القانون في هذا الصدد؟
سنحاول الإجابة عن هذه الإشكالية من خلال التقسيم التالي:
المبحث الأول: التجريم في النظريات العلمية والتوجه القانوني -المغرب نموذجا-.
المبحث الثاني: العقاب في النظريات العلمية وتوجه القانون المغربي نموذجا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق