رسالة لنيل ماسترحقوق إلانسان
تحت عنوان: الحماية الإجتماعية للمرأة بين النص القانوني والتعامل القضائي
حظي موضوع المرأة باهتمام كبير ومتزايد من طرف مجموعة من المهتمين بهذا المجال، خاصة فقهاء القانون وعلماء الاجتماع والسياسة وكذا هيئات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات الحقوقية التي تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة، ويرجع هذا الاهتمام إلى الدور الذي أصبحت تلعبه المرأة في ألاسرة والمجتمع.
وقد أبانت المرأة المغربية على مر العصور من حضور قوي ورائد في مختلف المجالات، وساهمت مساهمات جليلة في ميادين متنوعة ستظل خالدة في التاريخ إلانساني، تكشف عن قوة شخصيتها، وحنكتها وحكمتها، ودورها ألاساس في البناء الحضاري.
ويبدو أن حق المرأة في العمل قد برز على الساحة الدولية منذ العصور القديمة، لكنه تبلور بشكل أكبرمع ظهور الثورة الصناعية، وازدياد الحاجة الملحة لليد العاملة، ونظرا للوضعية التي كانت تعمل فيها المرأة، فقد كان من اللازم الاعتراف القانوني بحقها في العمل لضمان تحسين وضعيتها، كما كان من واجب المجتمع بكل مكوناته تيهئ فرص العمل وظروفه، وأن يدعم هذه الفرص دائما بما يصون المرأة ويحفظ كرامتها، وأن يقيم المساواة بين الرجل والمرأة في فرص الشغل.
والملاحظ أن المرأة عانت طويلا بسبب هذا التمييز في ممارستها لحق الشغل، وذلك لاسباب متعددة، أهمها تلك التي تتعلق بالخلفيات الثقافية التي ترسخ فكرة التمييز بين الجنسين، ويضاف إلى ذلك الاعتقاد السائد داخل أغلب المجتمعات، خاصة العربية والبلدان النامية بعدم جدوى العمل النسائي لكون الرجل يبقى في المجتمعات التقليدية هو المسؤول عن الأسرة ومعيلها الوحيد، بينما تبقى المرأة رهينة دورها التقليدي المتمثل في إنجاب الأبناء وتربيتهم والقيام بمتطلبات الأسرة، مما يجعل عمل الرجال يحظى باهتمام وتقدير خاص من طرف المجتمع، على خلاف عمل النساء.
وعلى اعتبارأن الشغل من أهم حقوق إلانسان، بل ويأتي من حيث ألاهمية مباشرة بعد الحق في الحياة، فقد عبرالمغرب عن موقفه الواضح بشأن مبدأ كونية حقوق إلانسان، وعن ضرورة إعمال مقتضيات ألاوقاف الدولية، و بفضل هذا الموقف المتبصر استطاع الانخراط في المنظومة الحقوقية عبر المصادقة على مختلف الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق المرأة.
وهكذا اتخذ المغرب مجموعة من إلاجراءات لتحسين وضعية النساء العاملات، تمثلت أساسا في التزامه دستوريا بتطبيق المعاييرالدولية في جملة من النصوص التي تهم المرأة بصفة عامة، وإدخال إصلاحات تشريعية على مجموعة من القوانين، ومن بينها مدونة الشغل التي تدخل المشرع من خلالها على غرار باقي التشريعات لتنظيم عمل المرأة بمقتضيات أكثر حمائية، وأكثر انسجاما مع المواثيق الدولية المتعلقة بهذا المجال، أخذا بعين الاعتبار تكوينها الفيزيولوجي الخاص، وما تحمله من رسالة ألامومة وتربية ألاجيال.
مدونة الشغل جاءت لتكرس مجموعة من الضمانات التي تكفل الحقوق ألاساسية والشخصية ومبدأ تكافؤ الفرص وحظر التمييز، والصحة السليمة والعمل المأمون للأجيرة، حيث من جهة أولى شكلت اعترافا للمرأة المغربية بدورها التنموي داخل المجتمع عبرالتأكيد على حقها في العمل وإقرارمبدأ المساواة لصالحها، وصيانة كرامتها، ومن جهة ثانية أخذت بعين الاعتبار الطبيعة الفيزيولوجية ألانثوية، وبناء على ذلك نصت على مقتضيات استثنائية خاصة بحماية صحتها، وتنظيم ظروف تشغيلها، إضافة إلى مناهضة العنف الممارس عليها، ومن جهة ثالثة راعت حالتها الخاصة إذا تعلق ألامر بأجيرة ذات إعاقة، كما عملت على صيانة وظيفتها إلانجابية والتربوية داخل ألاسرة و المجتمع.
إلا أن هذه الضمانات قد اعترتها مجموعة من النقائص و الثغرات التي تعرقل مسار الحماية الاجتماعية الذي سلكه المغرب، في نطاق الحماية التي سنتها مدونة الشغل لم يشمل بعض الفئات من اليد العاملة النسوية، حيث تم تهميشهن وإقصاؤهن، وعلقت حمايتهن على صدور قانون خاص يؤطرها، وإذا كان المشرع قد خطى خطوة إيجابية من خلال إصداره لهذا القانون لفائدة العاملات المنزليات، فإن النساء العاملات بالقطاع التقليدي الصرف لم يظهر القانون الخاص بتنظيم علاقتهن مع المشغل وشروط شغلهن في هذا القطاع إلى الوجود، ولا يزال وضعهن ومعاناتهن في ازدياد دائم.
من جانب آخر، فإن الحفاظ على المقتضيات القانونية واستقرارالعلاقة التغطية، رهين بالبحث عن وسيلة قانونية قادرة على مراقبة حسن تطبيقها وتفعيلها، ولذلك كان من الضروري خلق نظام من شأنه تعزيز حماية حقوق المرأة في ميدان العمل. ويعد نظام تفتيش الشغل وطب الشغل من ألاجهزة الرئيسية لمباشرة تطبيق أحكام قانون الشغل وتوفيرالحماية الاجتماعية للطرف الضعيف.
وإذا كان المشرع المغربي قد حاول تفعيل دور ألاجهزة الرقابية الاجتماعية، بما يؤدي إلى خلق مناخ اجتماعي عادل سمته الرئيسية الأمن والاستقرار، وبالتالي النهوض بالإقتصاد الوطني، فإن ذلك يبقى رهينا بانسجام كل الفاعلين، حيث لا يتأتى هذا إلا بتدخل جهاز قضائي قادر على تخطي حرفية النص القانوني وتحويله إلى نص من الممكن تكييفه بالطريقة التي يراها القاضي لصالح ألاجيرة.
انطلاقا من كل ما سبق، وفي ضوء ما تقدم بيانه في هذا المدخل العام، تبرز بوضوح ملامح الموضوع الذي سنتناوله في هذه الدراسة، تحليلا وتفصيلا، وهو ما يستدعي إلاشارة الضرورية إلى ما يلي:
0 التعليقات:
إرسال تعليق