الأستاذ محمد محجوبي
مستشار بالغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى
مما لا جدال فيه أن الهدف من وجود المجلس الأعلى كمحكمة للنقض تتربع على قمة التنظيم القضائي للمملكة، يتمثل في تحقيق مبدأ مساواة المتقاضين أمام القانون عن طريق تجسيد وحدة القضاء ووحدة القانون على حد سواء، وهذا هو وجه المصلحة العامة بذاته، ذلك أن من شأن التطبيق الصحيح للقانون كما أراده المشرع ضمان الاستقرار القضائي والقانوني داخل المجتمع، لذا فإن قضاة المجلس الأعلى هم قضاة قانون وليسوا قضاة واقع، كما أن المتقاضين أمام محكمة النقض ليسوا هم الخصوم كما كانوا أمام محاكم الموضوع، وإنما هي الأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحاكم.
ومن المعلوم أيضا أن الطعن بالنقض يندرج ضمن طرق الطعن غير العادية، وهو كذلك لأنه لا يمكن ولوجه إلا في حالات محددة بنص القانون، وبالتالي فليس لطالب النقض أن يبدي ما يشاء من أوجه الطعن في طلبه، وإنما عليه أن يتقيد بما نص عليه القانون على سبيل الحصر، وإلا كانت الوسيلة أو السبب غير مقبول.
فقد حدد المشرع المغربي في الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية أسباب الطعن بالنقض التي لا يمكن أن يرتكز الطاعن إلا على واحدة منها أو على بعضها أو عليها جمعاء، لكن دون غيرها.
ومن جهته، فالمجلس الأعلى يقتصر نظره على الرد على أسباب النقض المثارة أمامه على الوجه المذكور، المتمسك بها من طرف طالب النقض، اللهم ما تعلق بإمكانية إثارته وسائل بكيفية تلقائية عندما يتعلق الأمر بالمساس بالنظام العام.
لذلك فطلب النقض يعتبر غاية في الدقة ،سواء من حيث قبوله من الناحية الشكلية، أو من حيث الاستجابة إليه التي تقتضي نقض الحكم أو القرار المطعون فيه وإحالة الملف إلى نفس المحكمة التي أصدرته أو إلى محكمة أخرى مساوية لها في الدرجة والنوع لتبث فيه من جديد طبقا للقانون، ما لم يقتض الأمر النقض من دون إحالة.
وبما أن المجلس الأعلى محكمة قانون، فليس لكل من خسر دعواه أمام إحدى محاكم الموضوع أن يبلغ مراده إن هو طعن بالنقض، وإنما لابد له من التقيد - كما سلفت الإشارة - بأسباب النقض المحصورة قانونا، وأن يترك جانبا الشق الموضوعي من النزاع قبل التفكير في طرق باب المجلس الأعلى، ومن ثم فإن التقيد بأسباب الطعن بالنقض من طرف الطاعن كما حددها المشرع، ووضوح هذه الأسباب، من شأنه أن ينير الطريق أمام طالب النقض وييسر عمل المجلس الأعلى أيضا.
هذا وقد فصل المشرع الفرنسي في الفصل 604 من قانون المسطرة المدنية عدم تعداد أسباب الطعن بالنقض وجعلها سببا واحدا فقط، وهو مخالفة الحكم أو القرار المطعون فيه لقواعد القانون، أما المشرع المغربي فقد عدد أسباب الطعن بالنقض وفق ما سبقت الإشارة اإليه.
ومما لا شك فيه أن جميع أسباب الطعن بالنقض تتمثل في مخالفة القانون بوجه عام، وهي على تعدادها في خمسة حسب نص الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية المغربي، فضلا عن السبب المضاف بموجب الاجتهاد القضائي، لا تعدو أن تمثل إما مخالفة لقواعد القانون الموضوعي أو مخالفة لقواعد قانون الشكل.
فما هي إذن الأسباب المبررة للنقض في المنازعات الضريبية موضوع هذا البحث؟
من خلال اطلاعنا على بعض القرارات الحديثة للمجلس الأعلى، القاضية بنقض بعض قرارات محكمتي الاستئناف الإداريتين بكل من الرباط ومراكش، تبين لنا أن مجمل وسائل أو أسباب النقض التي استجاب لها المجلس الأعلى في المنازعات الضريبية تكاد تقتصر على مخالفة القانون، أو انعدام التعليل، وبما أن السبب الأول المذكور ينتمي إلى الأسباب التي تتعلق بالموضوع، والسبب الثاني له علاقة بالشكل، فإن الترتيب المنطقي لها يقتضي منا البداية بالسبب الثاني قبل السبب الأول:
أولا : أسباب النقض المبنية على انعدام التعليل
ثانيا : أسباب النقض المبنية على مخالفة القانون
0 التعليقات:
إرسال تعليق