مقدمة:
للحيازة
دورا مهم في مجال الحقوق العينية
مادام أنها الوسيلة الفعالة للانتفاع بالعقار واستغلاله، فالحيازة سلطة فعلية
يمارسها شخص على شيء قد يكون منقولا أو عقارا، وهي مظهر واقعي أو وضع مادي، ينطوي
على مباشرة سلطة فعلية على الشيء، يجعل الحائز يظهر في مركز المالك لهذا الشيء أو
صاحب حق عليه. والسيطرة
الفعلية على الحق تكون باستعماله عن طريق أعمال مادية يقتضيها مضمون هذا الحق[1].
والحيازة باعتبارها واقعة مادية ترتب أثار قانونية أبرزها كسب الملكية متى
توافرت شروطها، وهي الحيازة التي يتوافر فيها عنصريها المادي (وضع اليد) والمعنوي
(نية التملك)، والتي يطلق عليها وصف الحيازة الإستحقاقية، وهي التي تناولها المشرع
المغربي ضمن أسباب كسب الملكية في مدونة الحقوق العينية بالكتاب الثاني الفصل
الثالث منه[2]. ويترتب على
ضرورة اشتراط العنصر المعنوي لدى الحائز، أن الشخص الذي يباشر أعمالا مادية على
الشيء، دون أن تتوافر لديه نية أن يعتبر نفسه صاحب حق على الشيء، لا يكون حائزا
حقيقيا بل مجرد حائز عرضي.
وبناءً
على ما تقدم تنقسم الحيازة إلى نوعين: أولهما حيازة استحقاقية يتوافر فيها
العنصران المادي والمعنوي، وثانيهما حيازة عرضية وهي التي يتوافر فيها العنصر المادي
دون المعنوي. مما يجعلنا نطرح إشكالا مركزيا متعلقا بالفرق بين هذين النوعين من
الحيازة؟ تتفرع منه مجموعة من الأسئلة كالتالي:
ماهو مفهوم وعناصر كل من الحيازة الإستحقاقية
والحيازة العرضية؟ وكذا أثار كل منهما؟ وكيف يمكن للحيازة العرضية أن تتحول إلى
حيازة استحقاقية؟ وكيف يمكن إثبات الحيازة لمعرفة مركز الحائز؟
على
ضوء ذلك سنعمل في هذه الورقات على الوقوف من جهة عند ماهية الحيازة الإستحقاقية وأثارها،
ومن جهة أخرى تمييزها عن الحيازة العرضية، لذلك سنعمد في المطلب الأول إلى تناول
ماهية الحيازة وأثارها، ثم سنتناول تحول الحيازة العرضية إلى الحيازة الإستحقاقية وانتقال
الحيازة من السلف إلى الخلف وأهمية الإثبات في معرفة مركز الحائز.
المطلب
الأول: تمييز الحيازة الاستحقاقية عن الحيازة العرضية من خلال الإطار المفاهيمي والأثار
حيازة
الاستحقاق أو الحيازة الاستحقاقية هي الحيازة التي يستحق بها الحائز ملكية الشيء
المحوز، أما حيازة التصرف أو الحيازة العرضية فهي التي تعطي للشخص حق الانتفاع
بالشيء المحوز دون نية تملكه له (الفقرة الأولى)، لذلك فالحيازة الاستحقاقية تكسب
ملكية العقار أوالحق العيني العقاري المحاز كقاعدة، وهذا أهم أثر يميزها عن
الحيازة العرضية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم الحيازة
سنتناول في هذه الفقرة كلا
من مفهوم الحيازة المثبتة للملك أو الحيازة الإستحقاقية (أولا)، ومفهوم وضع اليد العرضي أو الحيازة العرضية (ثانيا).
أولا: مفهوم وعناصر الحيازة الاستحقاقية
المعنى اللغوي للحيازة هو
الضم والجمع، فمن حاز مالا فقد ضمه إلى بقية أمواله ومن حاز داراً فقد ضمها إلى
نفسه[3]. وتأتي أيضا بمعنى الإستحقاق، فإذا حاز شخص أرضا بين حدودها يكون
مستحقا لها دون غيره[4].
أما في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية خاصة
الفقه المالكي، فالحيازة تعالج على أنها وسيلة من وسائل الإثبات تفيد المتمسك بها
في إثبات حقه على الشيء المحوز في مواجهة المحوز عنه، فقد عرفها الدردير بأنها:
"وضع اليد على الشيء والإستيلاء عليه والتصرف يكون بواحد من الأمور سكنى أو
إسكان أو زرع أو غرس أو بيع أو هدم أو بناء أو قطع شجر أو عتق أو كتابة أو ربط
رقيق"[5].
وفي اصطلاح الفقه القانوني،
عرفها عبد الرزاق السنهوري بأنها: "السيطرة الفعلية على الشيء يجوز التعامل
فيه مع انصراف النية إلى استعمال حق عليه"[6]،
وقد عرفها مأمون الكزبري بأنها "السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء
منقولا كان أو عقار أو حق عيني مترتب على شيء، شريطة أن لا تكون الأعمال التي تنم
عن هذه السلطة أو السيطرة من قبيل الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من
المباحات، أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح"[7].
ويظهر من خلال استقرائنا
لهذه التعاريف الفقهية أن مصطلح الحيازة عند إطلاقه فإنه في الغالب ينصرف إلى معنى
الحيازة الإستحقاقية وليس العرضية التي تفتقر إلى العنصر المعنوي (نية التملك).
أما بالنسبة للمشرع فلم
يعرف المقصود بالحيازة، وإنما عمل على تبيان ذلك بصفة غير مباشرة عندما تعرض
لعناصرها في الفقرة الأولى من المادة 239 من مدونة الحقوق العينية التي نصت على أن
الحيازة الإستحقاقية تقوم على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه. وقد نصت
أيضا الفقرة الأولى من المادة 3 من م.ح.ع على أنه "يترتب على الحيازة
المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني
آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس..."
وبالتالي فإن استقراء
النصين معا يستخلص منه أن الحيازة الإستحقاقية سيطرة فعلية على الشيء مصحوبة بنية
مباشرة في اكتساب الحق العيني، وأخد الحيازة على هذا النحو هو منطق النظرية
الشخصية التي لا تكتفي بمجرد الحيازة المادية بل تعززها بعنصر معنوي هو النية في
اكتساب الحق العيني.
ثانيا: مفهوم الحيازة العرضية وعناصرها
بعد أن عرفنا معنى الحيازة
اللغوي أعلاه، لابد من التطرق لمعنى العَرَضِي لغة؛ فالعَرَضُ في اللغة هو ما يطرأ
ويزول من مرض ونحوه[8].
إذن سمة الحيازة العرضية هو
الطروء ثم الزوال، لأن انتفاء النية في اكتساب الحق يحيل إلى أن الحائز العرضي
ملزم برد الحق لصاحبه حين انتهاء مدة الحيازة المتفق عليها. لذلك فالحيازة
المفتقرة للعنصر المعنوي المتمثل في نية التملك أو مظنة الملك لا يمكن أن تكون
سببا لكسب ملكية الشيء ولا قرينة دالة عليها تسقط معها دعوى من يدعي الملك، فهي
مجرد سيطرة مادية على الشيء.
والحيازة العرضية تتوافر
لدى طائفتين من الأشخاص؛ فقد يكون الحائز العرضي تابعا للحائز الأصلي، كما قد يكون
غير تابع للحائز الأصلي.
فبالنسبة للحائز العرضي
التابع للحائز الأصلي فهو يستمد بموجبها تلك السيطرة عن طريق الغير، وهذه حالة
المستأجر الذي يعتبر حائزا عرضيا للعين المؤجرة فيما يتعلق بحق الملكية عليها
لكونه لا يباشر السيطرة المادية ابتداء بشأنها بل يستمدها من المالك المؤجر
وبالواسطة عنه، فالمالك المؤجر ينقل السيطرة المادية على الشيء للحائز العرضي ويظل
محتفظا بعنصر القصد أي استعمال حق الملكية لنفسه، والمستأجر يباشر حيازة لحقه الشخصي،
بمقتضى حق الإيجار الذي يخوله الإنتفاع بالعين[9].
جاء في المادة 243 من م.ح.ع أن الشخص يباشر الحيازة الإستحقاقية بنفسه "ويمكن
أن يباشرها بواسطة شخص يأتمر بأمره" وهو الحائز العرضي.
أما بالنسبة للحائز العرضي
غير التابع للحائز الأصلي، كالحالة التي يحوز فيها الشيء بصفته صاحب حق عيني عليه
غير الملكية، كالمنتفع وصاحب حق الاستعمال والسكنى والدائن المرتهن رهنا حيازيا،
يعتبر حائزا عرضيا في خصوص الملكية ويكون المالك هو الحائز الحقيقي في حين يعتبر حائزا
قانونيا بالنسبة إلى الحق العيني الذي له على الشيء[10].
الفقرة الأولى: أثار الحيازة
من خلال تحديد عناصر
الحيازة يظهر أن ما يميز العرضية عن الإستحقاقية، هو نية الحائز في أن يحوز الشيء
أو الحق العيني كمالك للشيء أو صاحب للحق العيني. وبالتالي فأثار كل من نوع من
الحيازتين يختلف عن الآخر.
أولا: أثار الحيازة الإستحقاقية
المشرع المغربي إهتم بشكل كبير بالحيازة الإستحقاقية أو المكسبة
للملك، وقد تناولها ضمن أسباب كسب الملكية في مدونة الحقوق العينية، وذلك انسجاما
مع مقتضيات المادة 3 منها التي رتبت على الحيازة المستوفية للشروط القانونية
"إكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن
يثبت العكس" واعتد بالحيازة في حد ذاتها متى توافرت لها الشروط التي تطلبها[11]، فقد
قررت المادة 240 من م.ح.ع أنه يشترط لصحة حيازة الحائز مجموعة من الشروط التي يجب
أن تكون متداخلة ومستجمعة لبعضها البعض لكي ترتب أثارها في اكتساب العقار[12].
وهذا يعني أن للحيازة
الإستحقاقية أثران: أحدهما أنها تعتبر مثبتة لحق الحائز ومسقطة لدعوى الغير في
ملكية الشيء المحاز، وثانيهما أنها تعتبر مطهرة للملكية من العيوب التي قد تكون
شابتها قبل استكمال شروط الحيازة، كما في حالة تملك العقار بمقتضى عقد بيع غير مستوفي لشروط البيع[13].
وكون الحيازة المستوفية
للشروط سببا لكسب الملكية يختلف عن ماهو معتمد لدى
الرأي الراجح في الفقه الإسلامي من كون الحيازة الإستحقاقية فقط قرينة على الملك
أي دالة عليه، وليست سببا مباشرا لكسب الملكية[14].
ثانيا: أثار الحيازة العرضية
بالنسبة للحيازة العرضية
المفتقرة لعنصر نية التملك أو مظنة الملك، فلا يمكن أن تكون سببا لكسب ملكية
الشيء، فمن خلال المادة 246 من م.ح.ع التي تنص على أنه: "لا تقوم الحيازة ولا
يكون لها أثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل للملكية، ولا يحق لواضع اليد أن
يغير بنفسه لنفسه سبب وضع اليد على الملك محل ادعاء الحيازة ولا الأصل الذي تقوم
عليه"، يظهر بأنه لا يمكن للحيازة العرضية أن تكون سببا لكسب الملكية مهما
طال على حيازته من الزمن، ولا أن يعمد الحائز العرضي بفعله إلى تحويل أصل مدخل
حيازته والسند الذي تقوم عليه غير الناقل للملكية.
وهكذا
يستغل الحائز العرضي العقار بمقتضى عقد يعطيه المنفعة فقط، دون أن يكون لهذا
الحائز نية التملك بناء على ذلك العقد، ولذلك تبقى حيازته للعقار حيازة تصرفية،
تتوفر على العنصر المادي للحيازة، الذي هو وضع اليد.
فمثلا
عندما يحوز الحائز العرضي الشيء الذي بيده بمقتضى سند كعقد الكراء، فهذا العقد هو
ما يمنع هذا الحائز من أن يظهر بسبب وضع يده على الشيء بمظهر المالك أو صاحب الحق
العيني على الشيء، وهذا العقد أيضا هو الذي يكون الحاجز المانع من ملكية العقار
بطول مدة حيازته وتقادمها، بسبب اعتراف الحائز نفسه بحق غيره على العقار الذي
يحوزه في العقد الذي يربط بينهما.
إلا
أنه يمكن أن تتحول الحيازة العرضية إلى حيازة استحقاقية فيستطيع بذلك الحائز أن
يكسب الشيء المحوز بالتقادم،
المطلب الثاني: تمييز الحيازة الاستحقاقية عن الحيازة العرضية من خلال دعاوى الحيازة والإثبات
يقتضي أيضا تمييز الحيازة
الإستحقاقية عن الحيازة العرضية تناول دعاوى الحيازة التي
يراد بها صيانة حق الحائز الظاهر (الفقرة الأولى)، كما أن للإثبات وانتقال
الحيازة أهمية قصوى كمنطلق لمعرفة مركز الحائز، هل هو حائز عرضي أم حائز إستحقاقي
(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دعاوى الحيازة
أولا: تعريف دعوى الحيازة وشروطها
يقصد
بدعاوى الحيازة تلك الدعاوى التي يراد بها صيانة حق الحائز الظاهر حفاظا على
الاستقرار في استغلال الأملاك والاستفادة منها[15]، وقد نظمها
المشرع المغربي في الفصول من 166- 170 من قانون المسطرة المدنية، لكن رغم ذلك لم
يشر بشكل واضح إلى أنواع دعاوى الحيازة مكتفيا بالإشارة إلى الشروط العامة والخاصة
المتطلبة لممارستها، وقد أجمع الفقه ومعه القضاء على أن دعاوى حماية الحيازة تنقسم
إلى ثلاث أصناف: دعوى منع التعرض، دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى استرجاع الحيازة،
وجعل الدعويين الأخيرين من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينظر فيها متى توافرت
شروط اختصاصه، بالإضافة إلى الحماية المدنية فقد وفر حماية جنائية تجمع بين حماية
النيابة العامة لها وبين حماية القضاء الزجري[16].
واشترط المشرع لرفع دعوى الحيازة شرط أن يكون
الحائز إما قد حاز بنفسه أو بواسطة الغير حيازة هادئة علنية متصلة غير منقطعة وغير
مجردة من الموجب القانوني وخالية من الإلتباس[17]، وإقامتها
داخل أجل سنة من تاريخ الفعل المخل بالحيازة[18]، وعدم
جواز الجمع بينها وبين دعوى الملكية أو دعوى الإستحقاق[19].
ثانيا: دعوى منع التعرض
دعوى
منع التعرض هي من الدعاوى الحيازية التي يقيمها الحائز لمنع غيره من الاعتداء على حيازته
بأي عمل مادي أو قانوني يتضرر منه، والهدف من هذه الدعوى هو حماية الحائز حسن
النية. وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة توجيه دعوى الاستحقاق (دعوى الملكية) ضد
الحائز فيجب على المحكمة عدم قبول دعوى منع التعرض، لأن دعوى الاستحقاق لا تعتبر
تعرضا قانونيا[20].
وهذه الدعوى لا يحق للحائز العرضي كصاحب حق
الانتفاع وصاحب حق الارتفاق والمرتهن برهن حيازي، أن يقيمها، باعتبار هؤلاء جميعا
حائزون عرضيون بالنسبة إلى حق الملكية، وهم حائزون لهذه الحقوق لحساب غيرهم، الذي يعتبر
المالك لحق الملكية والذي يحوز العقار لحساب نفسه ويباشر السيطرة المادية بواسطة
هؤلاء، في مقابل ذلك يجوز لكل صاحب حق الانتفاع وصاحب حق الارتفاق والمرتهن رهن
حيازي، وللمستأجر أن يرفع دعوى منع التعرض إذا وقع التعرض على الحق الذي يباشر
استعماله لحساب نفسه فهو أصل في حيازته ويحوزه لحساب نفسه لا لحساب المالك[21].
ثالثا: دعوى وقف الأعمال الجديدة
يراد
بدعوى وقف الأعمال الجديدة الدعوى التي ترفع على من شرع في عمل جديد بهدف إيقاف
هذه الأعمال التي شرع الغير في القيام بها، أو على وشك الشروع فيها[22]، وهي
دعوى وقائية ترمي إلى منع الاعتداء على الحيازة قبل وقوعها ومثالها البدء في بناء
حائط لو اكتمل يؤدي إلى سد مطل الجار فيرفع دعوى وقف ذلك البناء. والمدعي في دعوى
وقف الأعمال الجديدة هو نفسه المدعي في دعوى منع التعرض فهو الحائز الأصلي للعقار،
ويلقى عليه عبء إثبات ما يدعيه أي أن حيازته خالية من العيوب وعلنية و هادئة، كما
يجب عليه إثبات أن حيازته أصلية لا عرضية، كما يشترط أن تكون حيازته قد دامت مدة
سنة كاملة على الأقل، ولا يشترط في الحائز أن يكون حسن النية[23].
رابعا: دعوى استرداد الحيازة
بالنسبة
لدعوى استرداد الحيازة فقد نص المشرع عليها في الإطار العام لدعاوى الحيازة، لكن
إضافة إلى ذلك أفرد لها فقرة مستقلة إذا كانت منتزعة بالعنف أو الإكراه وذلك في
الفقرة الثالثة من الفصل 166 من ق.م.م حيث جاء فيها: "...غير أنه يجوز رفع
دعوى استرداد الحيازة المنتزعة بالعنف أو الإكراه إذا كانت للمدعي وقت استعمال
العنف أو الإكراه حيازة مادية وخالية وهادئة وعلنية."
و سميت بدعوى استرداد الحيازة لأن المدعي يطلب
رفع التعدي الواقع عليها وإرجاع الحيازة إليه من المعتدي عليها، وهي التي يرفعها
الحائز ضد الغير من أجل استرداد الحيازة التي سلبها منه[24]. فهذه
الدعوى يرفعها كل من كان قصده هو استرجاع الحيازة التي كانت بيده وسلبت منه بالقوة،
وبالتالي يمكن لكل من الحائز العرضي والحائز الأصلي أن يرفعها.
وتجدر الإشارة إلى أن المدعي في دعوى استرداد
الحيازة ملزما بأن يثبت انه كان حائزا من قبل بالكيفية المنصوص عليها قانونا، وهذا
ما أكده المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في قرار صادر عنه، حيث جاء فيه
"... يجب على من يرفع دعوى استرداد الحيازة أن يثبت أنه كان حائزا من قبل
بالكيفية المنصوص عليها فقها وقانونا..."[25]، وكذلك
أن يثبت أنها سلبت منه بالقوة، فإذا لم تكن هناك قوة فلا محل لدعوى الحيازة، لأن
أساسها حماية الأمن العمومي وردع كل من يحاول أخذ حقه بنفسه وعن طريق العنف[26].
الفقرة الثانية: إثبات وانتقال الحيازة
أولا: إثبات الحيازة
للإثبات أهمية قصوى كمنطلق
لمعرفة مركز الحائز، هل هو حائز عرضي أم حائز إستحقاقي أصيل[27]،
وفي هذا الإطار نجد أن المشرع المغربي بعد أن نص في المادة 242 من م.ح.ع على أنه
"لا يكلف الحائز ببيان وجه مدخله إلا إذا أدلى المدعي بحجة على دعواه"،
أكد في الفقرة 2 من المادة 243 على أنه: "يفترض في واضع اليد على العقار أنه
حائز لنفسه إلى أن يثبت العكس". فمتى ثبت أن واضع اليد قد تسلم الشيء من حائز
سابق فإنه يفترض فيه أنه يحوز الشيء لحساب هذا الأخير، وإذا ادعى أنه يحوزه لحساب
نفسه فإنه يجعلنا أمام افتراض يتحدد على ضوء عبء الإثبات أكثر منه قرينة قانونية،
وبالتالي كان عليه إثبات هذا الإدعاء[28]. فالأصل
في نطاق الحقوق العينية الوضع الظاهر دائما، ذلك أن الحائز الأصيل لا يطالب بإثبات
الملكية، بل على مدعي خلاف ذلك يقع عبء الإثبات.
والمشرع في المادة
248 من م.ح.ع أكد على أن "الحيازة تبقى محتفظة بالصفات التي بدأت بها من وقت
اكتسابها ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك"، فمقتضى هذه المادة يشمل تحول
الحيازة من حيازة استحقاقية إلى حيازة عرضية أو العكس. فأكد المشرع بذلك على أن
الصفة التي تبدأ بها الحيازة تبقى قائمة حتى يقوم الدليل على تغيرها، وهكذا يفترض
في الحائز الأصيل أنه يحوز الشيء حيازة أصيلة لا عرضية، كما يفترض في الحائز
العرضي أن تظل حيازته محتفظة بصفتها ولا يمكن له أن يغير بنفسه لنفسه أصل حيازته
وسندها، فإذا أثبت مدعي الملك أنه يحوزه حيازة استحقاقية بموجب سند ينقلها إلى
حائز عرضي، فإن حيازة هذا الأخير تظل محتفظة بطابعها العرضي، وإذا ادعى تحولها إلى
حيازة أصيلة وجب عليه إثبات حصول هذا
التحول سواء وقع بفعل صادر عن الغير أو بفعله[29].
إلا أن الأمر يختلف في حالة صدر عن الحائز العرضي فعل ظاهر يستخلص منه أنه
يحوز الشيء لنفسه، فإن نازعه المالك الأصيل إنتقل عبء إثبات تحول الحيازة العرضية
إلى حيازة استحقاقية إلى الحائز العرضي، أما إن لم ينازعه المالك الأصيل أو المحوز
عليه وعدم اعتراضه ومنازعته بلا عذر أو مانع شرعي طول مدة الحيازة، فمن شأن ذلك أن
يسقط حقه وعدم سماع دعواه، فسكوته وعدم اعتراضه ينهض حجة على أنه غير مالك للشيء
المحوز، وهو الأمر الذي أكده قضاء محمكة النقض إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا[30]
على أن "سكوت الطاعن مدة 15 سنة بدون مانع بعدما كان قد أقام دعوى وألغيت
شكلا قد أكسب عليه الحيازة القاطعة التي لا تسمع معها دعوى المدعي ولا بينته".
ثانيا: انتقال الحيازة
أما
بالنسبة لانتقال الحيازة من حائز إلى آخرعندما يكون هناك اتصال ما بين الحائزين،
وتكون الحيازة الجديدة امتداد للحيازة القديمة، كما في حالة انتقال الحيازة العرضية
إلى الخلف العام فإنها تبقى كذلك على صفتها العرضية، فقد جاء أيضا في المادة 247
من م.ح.ع أن الحيازة تنتقل "بسبب الإرث أو الوصية بصفاتها إلى الخلف
العام"، لذلك إذا كانت حيازة السلف استحقاقية انتقلت بصفتها هذه إلى الوارث
الذي يستطيع أن يستمر في هذه الحيازة وأن يضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته وذلك
ما نصت عليه المادة 252 من م.ح.ع التي أكدت على أن مدد الحيازات المتعاقبة تجمع
لحساب المدة المقررة في القانون، على عكس الحائز عرضيا، فانه تحسب المدة اللازمة
لإنتاج الحيازة أثرها من وقت تغيير الوارث صفة حيازته دون أن يكون له الحق في ضم
مدة حيازة مورثه.
وإذا
كانت الحيازة تنتقل من السلف إلى الخلف العام بنفس صفاتها، فإن انتقالها إلى الخلف
الخاص يكون على استقلال من حيازة السلف بحسب ما يخدم مصلحة الخلف الخاص، وكمثال
على ذلك في الحالة التي يكون السلف حائزا بحسن نية مع وجود السبب الصحيح كان من حق
الخلف الخاص ضم حيازة سلفه إلى حيازته لحمايتها ولكسب الملكية بالتقادم، أما إذا
كان السلف سيء النية والخلف الخاص حسن النية فإن حيازته تختلف عن حيازة سلفه ولا
يكون في مصلحته ضمها لاختلاف الحيازتين[31]، وذلك في الحالة التي تكون حيازة السلف حيازة
عرضية وحيازة الخلف حيازة أصلية كما إذا تلقى الخلف العين من السلف بعقد بيع وتبين
أن السلف كان مستأجرا وليس مالكا[32].
خاتمة:
وختاما
يمكن القول أن العنصر المعنوي المتمثل في نية الحائز في أن
يحوز الشيء أو الحق العيني كمالك للشيء أو صاحب للحق العيني، هو العنصر الأساسي
الذي يفرق بين هذين النوعين من الحيازة، ومن خلاله نفرق بين الحيازة الأصلية التي
ترتب أثارها في اكتساب ملكية العقار عند استيفائها
لشروطها القانونية، وبين الحيازة العرضية التي تخول فقط السيطرة
المادية على الشيء
المحاز حسب العقد والسند المنشئ لها، وهذه السيطرة التي تكون
للحائز العرضي إنما يستمدها من غيره
وبالوساطة عنه، لذلك فالحائز العرضي لا يستطيع أن يغير أصل مدخل حيازته غير الناقل
للملكية.
وعموما
فتنظيم الحيازة لها دور فعال في
استقرار المعاملات والحفاظ على المراكز القانونية وتشجيع الإستثمار في العقار غير
المحفظ، لذلك على الممارسين من محامين وموثقين وقضاة بذل العناية الكافية لتطبيق
مقتضيات النصوص القانونية المنظمة لها تطبيقا سليما.
[1] عبد
الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، المجلد الثاني، منشورات
الحلبي الحقوقية، 1998، ص 784.
[2] تناول المشرع الحيازة في المواد 239 إلى 263 من
القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية
[3] أنظر التعريف اللغوي:
الفيومي، المصباح المنير، دار القلم، بيروت،
الجزء 1، ص 214.
الرازي، مختار الصحاح، دار التنوير العربي، ص
162.
[4] أسماء سعدون فاضل، انتقال الحيازة وحمايتها في القانون المدني
العراقي، مجلة مداد الآداب، العدد 13، ص 456.
[5] الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار
الفكر للطباعة والنشر، الجزء 4، ص 250.
[6] السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، أسباب
كسب الملكية، المجلد التاسع، دار أحياء التراث العربي، بيروت، 1965، ص 784.
[7] الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية
الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، الطبعة الثانية، الجزء الثاني، مطبعة
النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1987، ص 194.
[8] المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة خاصة
بوزارة التربية والتعليم – مصر ، 1994، ص 414
[9] عبد المنعم فرج الصدة، محاضرات في القانون المدني – أسباب كسب الملكية،
1964، ص 33.
[10] عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق، ص 33.
[11] وقد نصت المادة 260 من مدونة الحقوق العينية على أن الحيازة المستوفية
لشروطها يترتب عليها اكتساب الحائز ملكية العقار.
[12] تنص المادة 240 على أنه: "يشترط لصحة حيازة الحائز:
أن يكون واضعا
يده على الملك؛ أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛ أن ينسب الملك لنفسه، والناس ينسبونه إليه
كذلك؛ ألا ينازعه في
ذلك منازع؛ أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون؛ وفي حالة وفاة
الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت."
[13] جواد الهروس، الحيازة الإستحقاقية في الفقه المالكي والتشريع المغربي،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، 2009، ص 183.
[14] محمد القدوري،
حيازة العقار كدليل على الملك وسبب فيه في ضوء الفقه المالكي والقضاء المغربي، دار
الأمان، الطبعة الثانية، ص 28.
[15] عبد العلي العبودي، الحيازة فقها وقضاء، الطبعة الأولى، سنة 1996، دار النشر المركز الثقافي العربي، ص
141.
[16] حليمة بن حفو، نظرية الاستحقاق في القانون المغربي دراسة مقارنة مدعمة بآراء
الفقه واجتهادات القضاء، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى دجنبر 2010، ص 141.
[17] نص الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "لا يمكن رفع
دعاوى الحيازة إلا ممن كانت له شخصيا أو بواسطة الغير منذ سنة على الأقل حيازة
عقار أو حق عيني عقاري حيازة هادئة علنية متصلة غير منقطعة وغير مجردة من الموجب
القانوني وخالية من الالتباس..."
[18] نص الفصل 167 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "لا تقبل دعاوى
الحيازة سواء قدمت بطلب أصلي أو بطلب مقابل إلا إذا أثيرت خلال السنة التالية
للفعل الذي يخل بالحيازة."
[19] نص الفصل 169 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "من قدم دعوى الملكية لا
تقبل منه بعد ذلك دعوى الحيازة إلا إذا وقع إخلال بحيازته بعد تقديم دعوى الملكية"
[20] حليمة بن حفو، المرجع السابق، ص 175.
[21] مصطفى مجدي هرجه، الحيازة داخل وخارج التجريم، دار الثقافة للطباعة والنشر،
الطبعة 1989، ص 251 وما بعدها.
[22] عبد العلي العبودي، مرجع سابق، ص 147 و 148.
[23] عبد الناصر الحمداوي، الحيازة بين الفقه المالكي والقانون المغربي، رسالة
لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
مسلك قانون العقود والعقار، كلية الحقوق، جامعة محمد الأول، وجدة، 2008-2009، ص83.
[24] عبد الناصر الحمداوي، المرجع السابق، ص 84-85
[25] قرار عدد 3419، صادر بتاريخ 21
دجنبر 2005، في الملف عدد 4161/04، منشور بمجلة المناهج القانونية عدد 11 و12، ص
167 وما يليها.
[26] وهذا ماء جاء في إحدى قرارات المجلس الأعلى حيث جاء فيه "...إن
دعوى استرداد الحيازة تستوجب وقوع اعتداء على الشيء المطلوب استرداده، والنازلة
المعروضة لا تنطوي عل نوع العنف تجعل منها دعوى استرداد الحيازة... " قرار عدد 103 صادر بتاريخ 2 أبريل 1976
ملف 9161/4 أورده عبد العلي العبودي، مرجع سابق، ص 148.
[27] المصطفى خطيب، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية – جامعة
القاضي عياض بمراكش - سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 58 السنة 2019، المطبعة
والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2019، الجزء الثاني، ص 276.
[28] عبد المنعم فرج، مرجع سابق، ص 45.
[29] المصطفى خطيب، مرجع سابق، ص 276 - 277.
[30] قرار بتاريخ 28 يونيو 1983 تحت عدد 968 في الملف
العقاري عدد 85/324 – أشار إليه: جواد الهروس، الحيازة والاستحقاق في الفقه
المالكي والتشريع المغربي، مطبعة الكرامة، الطبعة الأولى، 2009، ص 121.
[31] نجاة الوهابي، اكتساب الحيازة بالخلافة وآثارها،
منشورات كلية العلوم
القانونية والاقتصادية – جامعة القاضي عياض بمراكش - سلسلة الندوات والأيام
الدراسية، العدد 58 السنة 2019، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2019،
الجزء الثاني، ص 297
[32] عبد الله بشرى،
الوجيز في الحيازة كسبب لكسب الملكية في العقار، دار عماد النشر والتوزيع، الطبعة
الأولى، 2007، ص 99.
0 التعليقات:
إرسال تعليق