مقدمة
يعد العقد من أبرز التصرفات القانونية الشائعة والمميزة لسلوك الإنسان قديما وحديثا، فهو مصدر من مصادر الالتزام قوامه اتفاق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني سواء كان هذا الأثر هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه؛ فإرادة الأطراف هي العنصر الأساسي في تكوين العقد بل لا يمكن تصور العقد بدونها، ذلك أنها تنشئ العقد وتخرجه للوجود من جهة؛ وتحدد آثاره ومداه من جهة ثانية، وهذا ما يعبر عنه في الفقه بمبدا سلطان الإرادة أو النظرية التقليدية للعقد الذي يعد نتاجا للمذهب الفردي السائد في القرنين 18 و19 والذي يعتد بالإرادة وحرية الفرد.
ويعتبر مبدأ سلطان الإرادة من المواضيع الفلسفية ذات الطابع القانوني التي أخذت حيزا مهما من الدراسات الفقهية، نظرا لكونه من المتطلبات الأساسية للعملية التعاقدية، بل هو أساسها الجوهري، ذلك أن ذمة الأطراف هي من تتحمل الالتزامات المترتبة عن العقد فكان لازما أن تكون إرادتهم هي من تحدث هذا الأثر من عدمه.
بالرغم من أهمية مبدأ سلطان الإرادة وما يكتسيه من دور أساسي في تكوين العقود وإنشاء الالتزامات، إلا أنه عرف تراجعا في الآونة الأخيرة وأضحت له توجهات حديثة بفعل تطورات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية.
كل ذلك حدا بالباحثين إلى الانصباب على الموضوع، والبحث عما إذا كانت الإرادة قادرة لوحدها على إنشاء تصرفات قانونية، وتحديد مداها في ظل اتجاه أغلب التقنينات نحو التقليص من دور الإرادة في تكوين العقود.
وعليه، تتجلى أهمية البحث في موضوع "مبدأ سلطان الإرادة بين الإطلاق وإكراهات التوازن العقدي" في الوقوف على حقيقة هذا المبدأ، ومركزه في تكوين العقود في ظل التحولات التي فرضتها العولمة والاتجاهات الحديثة التي أضحى ينهجها التقنين الحديث في مجال العقود.
ومادام أن الموضوع يثير عدة نقاشات نظرا للوضعية الحديثة له فهو يطرح إشكالية محورية مفادها:
إلى أي حد حافظ مبدأ سلطان الإرادة على قوته المطلقة أمام التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المجتمع؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها أسئلة فرعية تتلخص فيما يلي:
ما قوام ومركز مبدأ سلطان الإرادة في تكوين العقود؟ وما هي العوامل التي أدت إلى تراجع وانتكاص هذا المبدا؟
وللوصول إلى إجابة لإشكالية الموضوع والأسئلة المتفرعة عنها ارتأينا الاعتماد على استقراء وتحليل النصوص القانونية قصد استخلاص جملة من الأحكام العامة المرتبطة به من خلال الاستعانة بالتصميم التالي:
» المبحث الأول: مبدأ سلطان الإرادة ومركزه في تكوين العقود
» المبحث الثاني: اضطراب وتراجع مبدأ سلطان الإرادة
لتحميل هذا العرض إضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق