الاشكالات العملية المرتبطة بالفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري

مصطفى المرضي
دكتور في القانون الخاص.
إطار بالمحافظة العقارية.


مقدمة


وضع المشرع المغربي بعض الضمانات القانونية الحمائية للدائن المرتهن على وجه الخصوص قصد ضمان استرجاع المبالغ المتحصلة في ذمة المدين الراهن، والذي تلكأ عن الوفاء في الوقت المتفق عليه بين الطرفين، فأهم ضمانة قانونية خولها المشرع المغربي لفائدة الدائن المرتهن هي ما جاء به الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 الذي جاء ببعض الضوابط القانونية التي تلي تبليغ الإنذار العقاري إلى الأطراف المعنية، ومنها ما هو منصوص عليه في نصوص قانونية أخرى.

إذا فتبليغ الإنذار العقاري لفائدة الأطراف المعنية يخضع لمقتضيات الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون قم 14.07، وفي نفس الوقت فإن الدائن المرتهن يستفيد من حماية قانونية فعالة تتمثل في إلزام المدين ببعض الإجراءات القانونية التي تساهم في حماية مصلحته.

وعليه، فإن إتباع مسطرة تحقيق الرهن الرسمي من قبل الدائن المرتهن والتي تبدأ بالموافقة على الطلب المقدم من قبله إلى رئيس المحكمة، قصد تبليغ الإنذار العقاري لكل من المدين الراهن أو الكفيل العيني أو الحائز وإلى المحافظ على الأملاك العقارية، قصد منع المدين من القيام ببعض التصرفات التي قد تلحق بعض الأضرار بمصلحة الدائن المرتهن.

فقد توخى المشرع المغربي من خلال تبليغ الإنذار العقاري، الحفاظ على الوضعية للعقار المرهون في انتظار تسوية الوضعية المالية للمدين أو الاستمرار في مسطرة تحقيق الرهن الرسمي إلى غاية البيع الجبري للعقار المرهون قصد استخلاص مبلغ الدين، إضافة إلى الفوائد والصوائر (الفرع الأول)؛ ومن أجل الوصول إلى ما يصبو إليه المشرع كان لابد من وضع قواعد قانونية صارمة تتعلق بالعقار المرهون، لذلك فجميع التصرفات القانونية الواردة على هذا الأخير صحيحة من حيث المبدأ، لكنها تعد غير نافذة إذا أجريت بعد تبليغ الإنذار العقاري وتم تقييده بالرسم العقاري من طرف بعض الأشخاص الذين تكون هم علاقة بالمدين المضمون بالرهن الرسمي (الفرع الثاني).

الفرع الأول: قراءة في أحكام الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07


تختلف أحكام الفصل 87 من ظ.ت.ع بين النسخة الأصلية قبل النسخ وبين النسخة الجديدة بعد النسخ والتعديل بمقتضى القانون رقم 14.07 (الفقرة الأولى) وفي كلتا الحالتين فإن تبليغ الإنذار العقاري يترتب عليه غل يد المدين والمحافظ على الأملاك العقارية عن القيام ببعض التصرفات أو إجراء بعض التقييدات على الرسم العقاري (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : نطاق الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07


كان الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه بالقانون رقم 1407 ينص على ما يلي: "كل أمر رسمي بحجز عقاري يجب أن يبلغ لمحافظ الأملاك العقارية الذي يسجله بالرسم العقاري وابتداء من تاريخ التبليغ المذكور لا يمكن أن يباشر بشأن العقار أي تسجيل جديد خلال مدة جريان مسطرة نزع الملكية".

إن أول ملاحظة عند قراءة الفصل المذكور، هي معرفة ما إذا كان يقصد المشرع المغربي بمصطلح الأمر الرسمي بالحجز العقاري، الحجز التحفظي، أم الحجز التنفيذي، أم الإنذار العقاري الموجه في إطار الفصل 148 من ق.م.م أم له معنى آخر؟ مع العلم أن المشرع المغربي استعمل نفس المصطلح بمقتضى الفصول 187 و194 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى، واستعمل تارة أخرى مصطلح الإنذار بمقتضى الفصل 61 من المرسوم الملكي المؤرخ في 17 دجنبر 1968 المتعلق ب ق.ع.ب.ف

أما فيما يخص الفصلين 205 و206 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى فقد استعمل المشرع مصطلح الإنذار، في حين استعمل في الفصل 440 من ق.م.م مصطلح الإعذار.

مما سبق، يمكن القول على أن المقصود بالأمر الرسمي بالحجز العقاري المنصوص عليه في الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه بالقانون رقم 14.07 هو الإنذار العقاري، وإن كان أحد الباحثين يرى أن المقصود بذلك هو الحجز التنفيذي لأن هذا الفصل الأخير يقابل الفصل 470 من ق.م.م المتعلق بالحجز التنفيذي؛ إلا أننا نرى خلاف ذلك، إنما قصد المشرع المغربي فقط تبليغ إجراء الإنذار العقاري، وهذا واضح جليا من خلال التعبير باللغة الفرنسية النسخة الرسمية لظهير 12 غشت 1913 فالمشرع خانه التعبير فقط عندما أراد التعبير على مصطلح الإنذار العقاري كمرحلة متقدمة من إجراءات تحقيق الرهن الرسمية.

في حين هناك من يرى أن المقصود بالأمر الرسمي هو الإعذار الذي جاء في الفصل 440 من ق.م.م، ويبرر ذلك بأن المشرع المغربي لم يميز في التنفيذ العقاري بين مرحلة تبليغ السند التنفيذي للمدين وإشعاره بالوفاء، وبين الإعذار الذي يقوم مقام محضر الحجز العقاري والذي يعد بمثابة حجز بعد تقييده بالرسم العقاري، وليس الإنذار العقاري ولا الأمر القضائي بالحجز التحفظي لاتحاد الصيغة اللغوية بين الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه والفصل 187 و203 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى والذي يحيل على الإجراءات الشكلية للحجز العقاري، وهي المقررة في الفصول من 459 إلى 487 من ق.م.م، أما مسألة تقييد الحجز التحفظي فقد نص عليها الفصل 207 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى بحيث جاء فيه على أنه: "الحجز التحفظي الواقع على عقار محفظ وما قد يتبعه من فك أو تحويل إلى حجز عقاري تنفيذي يخضع للتسجيل بالسجل العقاري عملا بالمبدأ المقرر في الفصل 65 من ظهير التحفيظ"

خلاصة القول، فإن المشرع المغربي كان قد حصل له ارتباك كبير عندما نظم إجراءات الإنذار العقاري، وذلك بسبب كثرة المصطلحات المستعملة، لذلك فقد كان من الضروري على المشرع توحيد المصطلح المستعمل في جميع القوانين عن طريق وضع فصل في ظهير التحفيظ العقاري توحد كل من الأمر الرسمي بالحجز والإنذار الرسمي والإعذار والتنبيه في نفس المصطلح وهو الإنذار بالحجز.

علاوة على ذلك، فرغم إصدار قانون التوحيد والمغربة، لم تتم ترجمة ظهير التحفيظ العقاري، مع العلم أن الترجمة المستعملة لظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 هي مجرد ترجمة غير رسمية لكونها لم تتم من قبل الجهة التشريعية كما أنها لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية، رغم أن هذه الترجمة تم إعدادها من طرف لجنة علمية تكونت من أطر وازنة لها كفاءة علمية عالية معتمدة من طرف جهة رسمية تتمثل في وزارة العدل.

عموما، نعتقد أن الفصل 87 من ظ.ت.ع يجب أن يفهم بطريقة شمولية لمصطلحاته عملا بقاعدة "العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني" فالأمر الرسمي إذن يعني كل من الإنذار العقاري من جهة، مادام أن آثار توجيه هذا الإجراء لم ينظم إلا بمقتضى الفصل 87، ومن جهة أخرى فهو يدل على الأمر بالحجز التحفظي ما دام أن هذا الإجرا، يقرر بمقتضى أمر قضائي في إطار الفصلين 148 و452 من ق.م.م، مع العلم أن آثار الحجزالتحفظي جاءت بمقتضى الفصل 453 من ق.م.م بخصوص بطلان التصرفات التي تضر بالدائن، أما الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه يتحدث عن عدم إمكانية تقييد جميع التصرفات التي يمكن أن يجريها المدين بعد تبليغ المحافظ على الأملاك العقارية بالإنذار العقاري أو الحجز.

وتجب الإشارة، إلى أنه استمر نفس الوضع المشار إليه أعلاه إلى أن صدر القانون رقم 14.07 بناء على الفقرة الأولى من الفصل 87 التي نصت على مايلي: "كل حجز أو إنذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ إلى المحافظ على الأملاك العقارية، الذي يقيده بالرسم العقاري، وابتداء من تاريخ هذا التقييد لا يمكن إجراء أي تقييد جديد خلال جريان مسطرة البيع الجبري للعقار المحجوز".

يلاحظ أنها تشمل كل من الحجزين التحفظي والتنفيذي والإنذار بالحجز العقاري مما يدل على أنه بمجرد تقييد محضر الحجز أو الإنذار بالحجز العقاري يمنع على المدين إجراء أي تقييد، وفي نفس الوقت يلزم المحافظ على الأملاك العقارية بعدم الاستجابة لأي تقييد جديد أثناء الفترة‏ التي تبتدئ من تقييد الحجز أو الإنذار بالحجز إلى غاية التشطيب عليه أو تقييد محضر البيع بالمزاد العلني بالرسم العقاري.

بذلك حسم المشرع كل الخلافات التي كانت حول مقتضيات الفصل 87 من ظ .ت.ع قبل نسخه وتعديله بالقانون رقم 14.07 بحيث أصبح التبليغ العقاري وكل من الحجز التحفظي والحجز التنفيذي يمنعون أي تقييد جديد تحت طائلة بطلان جميع التقييدات اللاحقة على التبليغ المذكور ما لم يكن التقييد مرتبط بمواصلة إجراءات الحجز كتقييد محضر تحويل الإنذار أو الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي...

أما بخصوص التشريعات المقارنة فقد استعمل المشرع الفرنسي بمقتضى المواد 673 و674 و675 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي Code de procédure civile مصطلح: "Commandement" الذي يعني الإنذار أو الإعذار، في حين استعمل المشرع المصري مصطلح التنبيه بنزع الملكية بناء على المادة 401 من قانون المرافعات المصري.

الفقرة الثانية : التصرفات غير قابلة للتقييد بعد تقييد الإنذار العقاري بالرسم العقاري


إن تبليغ الإنذار العقاري لا يؤدي إلى إخراج العقار المرهون من ذمة مالكه ولا من الضمان العام لدائنيه، فرغم وقوع التبليغ وبدء مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، فإن العقار المرهون يظل مملوكا للمدين، وباعتباره مالكا يجوز له القيام بكافة التصرفات التي تجوز للمالك، وإن حدثت هذه التصرفات تعد صحيحة فيما بين المتصرف والمتصرف إليه، لكن لا يمكن تقييدها بالرسم العقاري بعد تقييد الإنذار العقاري بمعنى آخر فإنه بعد الحصول على رفع اليد عن الإنذار يمكن للمتصرف إليه أن يقيد تصرفه في الرسم العقاري بسبب زوال المانع القانوني، وهو الإنذار العقاري، فالعبرة في صحة التصرف من عدمه هي بوقت تقييد الإنذار العقاري، فإذا تصرف المدين أو الحائز وشهر قبل تقييد الإنذار كان صحيحا والعكس بالعكس.

يتضح أن الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 منع المحافظ على الأملاك العقارية - بعد توصله بالإنذار العقاري وتقييده في الرسم العقاري- من الاستجابة لأي تقييد جديد طيلة مرحلة سريان النزع الجبري للملكية، ما لم تتم تسوية الوضعية القانونية للمدين مع الدائن المرتهن بحصول الأول على رفع اليد عن الإنذار العقاري.

ويقابل الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 في قانون المسطرة المدنية الفرنسي الفصل 686 منه والمادة 405 من قانون المرافعات المصري.

فهذه النصوص تقرر بوضوح عدم إمكانية إجراء أي تقييد بالرسم العقاري بعد تقييد الإنذار العقاري، ويستوي في ذلك كل التقييدات النهائية المؤقتة وكل التفويتات بعوض أو بغير عوض أو تأسيس أي حق عيني كحق الانتفاع أو تقييد أي رهن رسمي جديد على العقار المرهون.

فكل من عقود البيع والتسليم والمناقلات والمعاوضات ... الهبات والصدقات فالتبرعات بصفة عامة لا يمكن تقييدها في الرسم العقاري بعد تبليغ الإنذار العقاري، إضافة إلى إنشاء بعض الحقوق العينية أو أحد الحقوق العرفية الإسلامية، أو إثقال العقار بضمان رهني آخر عن طريق إنشاء رهن رسمي آخر، ولو من طرف نفس الدائن ما لم يحصل المدين منه على رفع اليد عن الإنذار العقاري.

أما إذا تم تقييد حجز تحفظي أو تنفيذي أو إنذار بحجز عقاري على العقار المرهون، فلا يمكن تقييد أي تصرف جديد لأن من شأن الاستجابة لذلك أن يؤدي إلى إنقاص القيمة الاقتصادية للعقار المرهون ويؤدي إلى الإضرار بمصلحة الدائن الحاجز، فعندما قام الدائن الحاجز بإجراء حجز على العقار المرهون، فإنه كان على علم بأن الدائن المرتهن له الأولوية بمبلغ محدد على الثمن بعد البيع الجبري للعقار المرهون ثم بعد ذلك يتم أداء مبلغ الدين موضوع الحجز إذا تبقى شيء بحد حصول الدائن المرتهن على مبلغ الدين، أما إذا تمت الاستجابة لطلب تعديل عقد القرض الأصل، فإن الدائن العادي سيلحقه ضررا كبيرا قد يحرمه من مبلغ دينه.

فالدائن العادي في هذه الحالة هو الأولى بالحماية من الدائن المرتهن لكون أن هذا الأخير يملك حق التتبع على العقار المرهون، أما الدائن العادي فإنه يفقد الحق في التنفيذ على العقار المحجوز بمجرد خروجه من الذمة المالية للمدين، ما يجعله يبحث عن أموال أخرى للتنفيذ عليها، لذلك فقد تفطن المشرع إلى مثل هذه الوضعية ووفر حماية قانونية فعالة للدائنين العاديين في مواجهة كل التصرفات التي تؤدي إلى إلحاق ضرر مادي واضح بهم.

أما من حيث الأشخاص المعنيين برفض تقييد بعض تصرفاتهم بعد تقييد الإنذار العقاري فيسري قرار المنع من إجراء التقييد على الرسم العقاري في حق المدين الراهن الذي استفاد من مبلغ القرض، كما يسري في حق الكفيل العيني لكونه قبل بجعل عقاره ضمانا رهنيا لفائدة الدائن المرتهن.

  
إضافة إلى هؤلاء لا يستطيع الغير الحائز القيام بأي تقبيد جديد بعد تبليغ الإنذار العقاري، فالفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخة جاء عاما ليشمل جميع التصرفات مهما كان أطرافها، وإذا كان الفصل المذكور كما سبقت الإشارة شابه الغموض الذي كان حول المقصود بالأمر الرسمي بالحجز العقاري؛ هل الإنذار العقاري وحده أم كل من الإنذار العقاري وكذا الحجز التحفظي؟ إلا أن المشرع المغربي تدارك الأمر في الفصل 62 من المرسوم الملكي المؤرخ في 17 دجنبر 1968 المتعلق ب ق.ع.ب.ف، والذي نص على أنه: "لا يجوز للمدين ابتداء من يوم تقييد الإنذار أن يفوت على حساب مؤسسة القرض المقبولة العقارات المرهونة ولا يحملها أي حق عيني".

فالفصل المذكور، جاء بوضوح تام بمنع المدين الراهن أو الكفيل العيني من إجراء أي تفويت للعقار أو العقارات المرهونة بعد تبليغ الإنذار العقاري وإثقالها بأي حق عيني عليها، وبذلك فخلافا للغموض الذي شاب الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه بالقانون رقم 14.07، فقد حسم المرسوم الأمر بمنع تقييد كل تصرف من طرف المدين بعد تبليغ الإنذار العقاري يكون موضوعه العقار المرهون.




 الفرع الثاني: الأثر القانوني للتقييدات الواردة بعد الحجوز أو الإنذار العقاري


إن تقييد الإنذار العقاري أو إحدى الحجوز بالرسم العقاري، يترتب عليه وضعية قانونية خاصة، أفرد لها المشرع المغربي بعض النصوص القانونية منها الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 وكذا الفصلين 452 و453 من قانون المسطرة المدنية؛ لذلك سندرج بعض الحالات العملية التي تخص هذه الإشكالية (الفقرة الأولى) ثم سنتعرض لأحكام تزاحم الحجوز مع الإنذار العقاري (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حالات عملية لتطبيق الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07


يخضع تقييد الأحكام والأوامر القضائية كغيره من التقييدات المنصبة على الرسوم العقارية للرقابة من قبل المحافظ على الأملاك العقارية تحت طائلة إثارة مسؤوليته عند تقييد هذه الأحكام أو تلك الأوامر المخالفة لأحكام ظهير التحفيظ العقاري خاصة والتشريعات ذات الصلة بصفة عامة، لذلك فقد يصطدم المحافظ على الأملاك العقارية ببعض الصعوبات أو الإشكالات العملية ومن بينها وجود حجز أو إنذار بحجز سابق عن تقييد الأحكام أو الأوامر، ومن هنا نتساءل عن ما هو الموقف الذي ينبغي للمحافظ على الأملاك العقارية اتخاذه في الحالة التي يبلغ بحجز أو إنذار بحجز عقاري؟

لقد أثارت هذه الحالة العديد من الإشكاليات العملية وانقسم على إثرها المحافظين على الأملاك العقارية بين اتجاه يى بعدم إمكانية تقييد الأمر القضائي القاضي بالحجز التحفظي أو الإنذار العقاري عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07، والذي ينص على ما يلي: "كل حجز أو إنذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ إلى المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري. وابتداء من تاريخ هذا التقييد لا يمكن إجراء أي تقبيد جديد خلال جريان مسطرة البيع الجبري للعقار المحجوز"، يرى أصحاب هذا التوجه أن تلك المقنضيات واضحة جدا وصريحة في منع المدين إجراء أي عملية على الملك موضوع عملية التنفيذ من جهة، وتأمر المحافظ على الأملاك العقارية على الامتناع عن الاستجابة لأي تقييد كيفما كان نوعه المنصب على العقار موضوع مسطرة التنفيذ الجبري من جهة ثانية.

ويستند التوجه أعلاه كذلك إلى مقتضيات الفصل 453 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي: "لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها الحجز ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ويكون نتيجة لذلك كل تفويت، تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر" و يقترح هذا التوجه وحتى يحفظ الدائن حقه يمكنه سلوك مسطرة التدخل في الحجز استنادا على مقتضيات الفصل 472 من قانون المسطرة المدنية والذي يحيل على الفصل 466 من نفس القانون، لكن بالرجوع إلى المبادئ الأولى المتعلقة بالحجز التحفظي نجد على أن الدائن الحاجز يمكنه اللجوء إلى هذه المسطرة في حالة وجود دين احتمالي فقط وتحدد على وجه التقريب دون إلزامية التوفر على سند تنفيذي، وبمفهوم المخالفة فإن الدائن الحاجز في الحجز التحفظي لا يستطيع التدخل في مسطرة التنفيذ على وجه التعرض إلا بعد حصوله على سند تنفيذي مما يعني ضياع كل إمكانية لاسترداد دينه من المحجوز عليه.

وعليه فإن رفض تقييد حجز تحفظي على الرسم عقاري استنادا إلى أمر قضائي بعلة وجود حجز تنفيذي سابق يعد قرارا غير مشروع يمكن إلغاؤه من قبل القضاء حيث جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط في أحد أحكامها ما يلي: "... وحيث دفع المحافظ العقاري بأن العقارات موضوع النزاع مثقلة بحجوزات تمنع تسجيل أي حق عليها بعد ذلك عملا بمقتضيات الفصل 7 أعلاه، ويبقى من حق المعنيين بالأمر التدخل على وجه التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ طبق لمقتضيات الفصل 466 من قانون المسطرة المدنية.
وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لموقف الطرفين من هذه المقتضيات يتضح أن جوهر الخلاف بينهما ينحصر في تحديد المقصود بالحجز العقاري المنصوص في ذلك الفصل، وما إذا كان يتعلق بالحجز التنفيذي فقط، أم ينصرف كذلك إلى الحجز التحفظي؟
وحيث إنه جوابا على السؤال المذكور، بالرجوع إلى الفصل 87 السالف الذكر يتضح أنه يقع في القسم الثاني المتعلق بإشهار الحقوق العينية العقارية المقامة عل العقارات المحفظة وتسجيلها في السجلات العقارية، وهو القسم الذي يستهل مقتضياته بالفصل 65 الذي ينص على وجوب أن تشهر بواسطة تسجيل في السجل العقاري جميع الأعمال والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع المحاضر المتعلقة بالحجز العقاري وجميع الأحكام التي تكتسب قوة الشئ المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عقاري أو نقله إلى تغييره أو إسقاطه. كما أن الفصل 87 جاء مباشرة بعد الحديث عن مسطرة إجراءات التقييدات الإحتياطية التي لا تنصب إلا على الحقوق العينية القابلة للتسجيل فيما بعد. 
وحيث يستفاد من عملية الربط لجميع تلك النصوص والقراءة الشمولية لمقتضياتها أن الحجز العقاري المشار إليه في الفصل 87 والذي جاء متمما للفصل 65، إنما يراد به الحجز التنفيذي الذي يؤدي إلى نقل ملكية الحق العيني إلى الغير كشرط يتوقف عليه تسجيل الحجوزات بالرسم العقاري طبقا لمقتضيات هذا الأخير، وذلك على خلاف الحجز التحفظي الذي لا يخرج عن كونه ضمان شخصي للدائن من أجل استيفاء مبلغ دينه عن طريق منع المدين من التصرف في المنقولات والعقارات التي وقع عليها الحجز تصرفا يضر بدائنيه، ويكون نتيجة لذلك كل تفويت بتبرع أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر عملا بمقتضيات الفصلين 452 و453 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي فإن هذا النوع من الحجز لا يفضي في حد ذاته إلى حدوث تغيير على مستوى الحق العيني الذي هو في النازلة ملكية الرسوم العقارية المنصب عليها التسجيل طالما لم يتم تحويله إل حجز تنفيذي، وتبعا لذلك يبقى هذا التسجيل غير مخاطب بمقتضيات الفصل 87 العقاري المستدل به من طرف الحافظ".

أما فيها يخص اقتراح المحافظ على الأملاك العقارية في النازلة وموقف بعض المحافظين الآخرين بخصوص سلوك مسطرة التدخل على وجه التعرض طبقا الفصل 466 من قانون المسطرة المدنية فقد ردت عليه المحكمة في الحكم أعلاه بما يلي: "وحيث بالنسبة لمقتضيات الفصل 466 من قانون المسطرة المدنية المحتج به من قبل المحافظ. بالرجوع إليه يتضح أنه يخاطب الدائنين الذين لهم حق التنفيذ الجبري ويواجهون بوجود حجز سابق على كل منقولات المحجوز عليه. حيث لا يبقى أمامهم سوى التدخل على وجه التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ وطلب رفع الحجز وتوزيع الأموال على خلاف حالة الطاعنين في نازلة الحال الذين لا يتوفرون على سند تنفيذي يسمح لهم بممارسة ذلك التعرض، كا أن الأمر يتعلق بعقارات وليس بمنقولات المتحدث عنها في الفصل المذكور. مما ينتفي معه أي مجال للاحتجاج به".

فالملاحظ على أن حيثية الحكم القضائي أعلاه تتسم بسوء تفسير الفصل 466 قانون المسطرة المدنية المستدل به من قبل المحافظ على الأملاك العقارية للتأكيد على إمكانية سلوك الدائن لسطرة التعرض بواسطة التدخل في الحجز حيث عابت على المحافظ على الأملاك العقارية كونه استند على الفصل 466 المنظم للتدخل في مسطرة الحجز على المنقولات في حين أن الفصل 472 من قانون المسطرة المدنية يحيل على الفصل 466 بخصوص التدخل في مسطرة الحجز التنفيذي على العقار مما يعني أن المحكمة لم تجتهد قط في تكييف المقتضى القانوني على النازلة المعروضة عليها، أما بخصوص طبيعة الحقوق التي يضمنها الحجز التحفظي والحجز التنفيذي فهي الحقوق الشخصية والمتمثلة في الدين عكس ما جاء في الحكم المشار إليه أعلاه التي فرقت بين الحجز التحفظي والحجز التنفيذي بخصوص الحقوق التي يضمنها.

وإذا كان هدف الحجز التحفظي هو وضع يد القضاء على العقار المحجوز، فإن المشرع المغربي ألزم المحجوز عليه بالحفاظ على هذه الوضعية من خلال منعه من القيام بأي تصرف، كما يتجلى ذلك من خلال الفصلين 453 من ق.م.م و87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه بالقانون رقم 14.07 هذا عكس ما يلاحظه أحد الباحثين الذي يرى أن تقييد الحجز التحفظي على العقار لا يترتب عليه نفس الأثر المنصوص عليه في الفصل 87 المذكور.

فكيف يمكن تحقيق هدف المشرع من وراء سن الحجز التحفظي إذا كان بإمكان المحجوز عليه القيام بالتصرف في العقار المحجوز؟ فالمشرع وضع ضمانة للدائن في الحفاظ على العقار المحجوز من أي تصرف قد يقوم به المحجوز عليه والذي يجر ضررا بالدائن.

فمن يقول بالسماح للمدين بالتصرف في العقار فهو تناقض مع هدف الحجز التحفظي ولا يعير اهتماما لمصلحة الدائن الذي فك كربة المدين حينما قدم له قرضا أو دينا معينا في وقت سابق.

في حين يرى الأستاذ عبد العلي حفيظ، على أن تقييد الأمر القضائي بالحجز التحفظي بالعقار المحفظ لا يرتب الأثر المنصوص عليه في هذا الفصل الأخير فيما يتعلق بمنع أي تقييد بالرسم العقاري طيلة المدة التي تستغرقها مسطرة البيع الجبري للعقار المرهون، بمعنى آخر على أن جميع التصرفات التي يجريها المدين بالرسم العقاري. ومن تم فلا يحق للمحافظ على الأملاك العقارية رفض التقييد بدعوى وجود حجز تحفظي، ويرتكز في موقفه على عدم وجود أي مقتضى قانوني يرتب منع أي تصرف بعد تقييد الحجز التحفظي يضيف أن جزاء البطلان مقرر لفائدة كل ذي مصلحة مع ضرورة صدور حكم بالبطلان.

كما أن هناك من يؤيد الموقف المذكور ويرى أنه يمكن التصرف في العقار المحجوز بجميع أنواع التصرفات وينبغي على المحافظ على الأملاك العقارية ذلك التصرف بالرسم العقاري وييقى العقار مثقلا بالحجز إلى غاية تحويله إلى حجز تنفيذي أو رفعه من طرف الدائن الحاجز.

أعتقد أن التوجه أعلاه في غير محله ويجعل التشبث به يؤدي إلى إلحاق ضرر بمصلحة الدائنين، فالفصل 87 كان يمنع أي تقييد جديد بعد التبليغ كيفما كان هذا التقييد سواء كان تصرفا بالبيع أو التبرع أو كان غير ذلك، في حين أن الفصل 453 من ق.م.م اشترط شرطين اثنين بخصوص التصرفات التي يقوم بها المدين يتمثل الأول في التصرف في العقار من أجل الإضرار بالدائنين أما الشرط الثاني فهو أن يتم تفويت العقار سواء كان بعوض أو بغير عوض. لذلك فإن أي اتصرف لم يلحق ضرر بالدائن، يتعذر على المحافظ على الأملاك العقارية تقييده كونه لا يملك سلطة تكييف التصرف، على أنه يضر بالدائن أم لا، لأن هذا الدور من اختصاص القضاء وحده، وهذا يفرض على الأول عدم قبول أي تقييد جديد بعد تقييد الحجز التحفظي إلا بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به.

وفي نفس السياق، ورد على المحافظ على الأملاك العقارية بمحافظة وجدة - أنكاد عقد قرض مضمون برهن رسمي منصب عل العقار موضوع الإنذار العقاري، إلا أنه يعدل من الرهن الرسمي المقيد سابقا في نفس الرسم العقاري بالرفع من قيمة الدين والزيادة من نسبة الفائدة وتغيير بعض بنود العقد الأخرى وطلب الأطراف من المحافظ على الأملاك العقارية تقييد هذا العقد بهامش الرهن الرسمي المقيد سابقا لكونه يعد تقييد تعديلي فقط - حسب ما زعم الطرفين - لا يشمله الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07.

 فالمحافظ على الأملاك العقارية رفض هذا التقييد بعلة المخالفة الصريحة لمقتضيات المنع المنصوص عليه الفصل 87 من ظ.ت ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07، كما أن من شأن قبول تقييد العقد المذكور أن يلحق ضررا بمصلحة الدائن الحاجز، فإذا اتفق الدائن المرتهن مع المدين على رهن جديد أو عقد ملحق للعقد الأول المقيد بالرسم العقاري فينبغي حصول المدين على رفع اليد عن الإنذار والحجز أولا، ثم بعد ذلك يقيد كل عقد جديد يتضمن حقا عينيا بالرسم العقاري.

في هذا السياق يرى أستاذنا إدريس الفاخوري، أن مقتضيات الفصل 87 المذكور، جاءت بصيغة عامة تشمل جميع التقييدات ويضيف أنه يمكن تقييد بعض التقييدات التي لا تتعارض مع الغاية التشريعية التي جاء بها الفصل المنكور أعلاه، ومن ذلك تقييد ملحق الرهن الرسمي الذي يقلص من مبلغ الدين وكذا عملية الإحداث المتعلقة بمطابقة الوضعية القانونية للعقار بالرسم العقاري مع البناءات المشيدة على الرسم العقاري لان هذين التقييدين يزيدان في ضمانات الدائن المرتهن.

ويضيف أستاذنا أن كل من التقييد الاحتياطي وكذا تقييد الإراثة يمكن مباشرة تقييدهما رغما عن مقتضيات الفصل 87، والملاحظ على أن هذا التوجه هو ما يسير عليه أغلب المحافظين عل الأملاك العقارية نظرا لعدم تأثير هذه التقييدات على الوضعية القانونية للرسوم العقارية.

في حين يرى توجه آخر (من المحافظين على الأملاك العقارية) على أنه رغم وجود حجز تنفيذي سابق فإنه استنادا إلى مقتضيات الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 يمكن تقييد الأمر القضائي القاضي بالحجز التحفظي أو الإنذار بالحجز كما يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية مباشرة بعض التقييدات المؤقتة كالتقييدات الاحتياطية ومشروع نزع الملكية... وبعض التقييدات غير المؤثرة على وضعية الرسم العقاري وعلى مسطرة البيع الجبري كما هو الحال بالنسبة للإراثات وتقييد الأحكام القضائية القاضية بالقسمة، وفي هذا السياق عرضت إحدى القضايا العقارية على المحافظ على الأملاك العقارية التي تتلخص وقائعها في كون طالبي التقييد استصدروا حكما قضائيا بالقسمة العينية لعقار معين. إلا أنه حينما تقدموا بطلبهم أمام المحافظ على الأملاك العقارية من أجل تقييده بالرسم العقاري رفض التقييد بعلة وجود حجز تحفظي يمنع التفويت، لكن المحكمة الإدارية بوجدة ومعها محكمة الاستثئناف الإدارية بالرباط ألغيا ذلك القرار حيث جاء في إحدى حيثيات هذا القرار ما يلي: "وحيث إن المقتضى القانوني المذكور يتعلق بمنع تسجيل أي تفويت ببيع أو غيره الذي يمكن أن يؤثر على إجراء الحجز، ومادامت القسمة لاعلاقة لها بالحجز ولا تمس بحق طالب الحجز التي تبقى حقوقه محفوظة في مواجهة المحجوز عليه وفي صدور حصته من العقار، فإن مقتضيات الفصل 87 أعلاه، لا مجال لتطبيقها في النازلة، وبالتالي يكون امتناع المحافظ على تسجيل حكم قضائي قضى بالقسمة في الرسم العقاري قرار متسما بتجاوز السلطة لمخالفة القانون".

أما بخصوص تفسير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية فقد صدرت مذكرتين عن السيد المحافظ العام في إطار الفصل 1 من ظهير 29 دجنبر 1953 المتعلق باختصاصات المحافظ العام تمنعان بمقتضاهما المحافظ على الأملاك العقارية من إجراء أي تقييد جديد بالرسم العقاري المثقل بأحد الحجوز.

أما الدليل العملي المعتمد من قبل الوكالة فهو يمنع أي تقييد جديد من حيث المبدأ بمجرد تبليغ الإنذار العقاري للمحافظ على الأملاك العقارية يكون بمقتضاه نقل أو تأسيس حق عيني جديد، بمفهوم المخالفة فإنه يمكن تقييد رفع اليد عن الرهن والأحكام الكاشفة للحق كما هو الشأن بخصوص أحكام صعوبات المقاولة، تقييد الرسوم المتضمنة للإراثات، أما إذا جاء تقييد احتياطي بعد إنذار عقاري أو حجز، فإنه يمكن تقييده إذا كان يهدف إلى استحقاق العقار المحجوز.

في حين أن التعديل الذي جاء به القانون رقم 14.07 المتعلق بظهير التحفيظ العقاري فقد كان أكثر وضوحا ونص على منع المحافظ على الأملاك العقارية من الاستجابة لأي تقييد جديد بعد تقييد الإنذار العقاري بالرسم العقاري، فالمنع يهم كل من المدين الراهن أو الكفيل العيني وكذا المحافظ على الأملاك العقارية من القيام بكل التصرفات القانونية التي تهم العقار موضوع مسطرة الإنذار العقاري.

فبالرغم من صراحة الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وتم تعويضه بالقانون رقم 14.07، فإن بعض رؤساء المحاكم لا يزالون يصدرون بعض الأوامر بالحجز بعد تقييد الإنذار العقاري أو العكس، كما أن بعض المحافظين على الملكية العقارية يقبلون تقييد هذه الأوامر بالحجز رغم مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 87 المذكور الصريح الذي جاء فيه: "....ومن تاريخ هذا التقييد لا يمكن إجراء أي تقييد جديد خلال جريان مسطرة البيع الجبري للعقار المحجوز".


جملة القول، نعتقد أن كلا الموقفين لهما مبرراتهما في ما ذهبا إليه لكون أن طريقة قراءة الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07 بررت هذا الاختلاف حتى ما بين نفس المهنيين وإن كان الرأي الأقرب إلى الصواب هو الذي يتشبث بحرفية الفصل 87 المذكور الذي يمنع أي تقييد جديد بعد تقييد الإنذار العقاري نظرا للاعتبارات التالية: 
- إن الفصل 87 المذكور حديث التعديل فلو أراد المشرع السماح ببعض التقييدات لنص على ذلك صراحة.
- إن منع أي تقييد يوفر الحماية لفائدة الدائن المرتهن قصد استرجاع مبلغ الدين.
- احترام إرادة المشرع الصريحة لأن النص الصريح لا يحتاج إلى تفسير فقهي كان أو قضائي. 

وأخيرا نعتقد أنه لتجاوز هذا الإشكال خصوصا على مستوى المحافظة العقارية، يجب على المحافظ العام التدخل عن طريق إصدار دورية في إطار ظهير 29 دجنبر 1953 المتعلق باختصاصات المحافظ العام لتوضيح وتوحيد العمل بين المحافظين على الملكية العقارية حول كيفية التعامل مع مقتضيات الفصل 87، أو تعديل الفصل المذكور من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07، قصد السماح للمحافظ على الأملاك العقارية بالاستجابة للتقييدات غير الرضائية كالتقييدات الإحتياطية ومشروع نزع الملكية....والإراثات وتقييد الأوامر والأحكام القضائية التي لا تتضمن تفويت معين. 

الفقرة الثانية: أحكام تزاحم الحجوز مع الإنذار العقاري 


تهدف مسطرة الإنذار العقاري إلى استرجاع مبلغ الدين بعد بيع العقار المرهون في المزاد العلني، إلا أنه قد يكون نفس العقار المذكور مثقلا ببعض الحجوزات الأخرى من قبل نفس الدائن المرتهن أو بعض الدائنين الآخرين ففي هذه الحالة، هل يمكن تقييد أكثر من حجز عقاري على نفس الرسم العقاري موضوع الإنذار العقاري؟ وإذا كان الدائن العادي قد أوقع حجزا على العقار المرهون ثم تماطل المدين الراهن عن الأداء هل يستطيع الدائن المرتهن أن يسلك مسطرة تحقيق الرهن الرسمي رغم وجود حجز عقاري؟

ففيما يخص الإشكالية الأولى، التي تتعلق بمدى إمكانية تقييد حجز عقاري على الرسم العقاري الذي سبق فيه تقييد إنذار عقاري نذكر على أن الحجز التحفظي يهدف من وراء تقييده في الرسم العقاري منع المدين من التصرف في العقار عن طريق وضع يد القضاء عليه، وهذه الوسيلة - تقييد الحجز التحفظي بعد الإنذار العقاري- لا تعطى أية نتيجة بالنسبة للدائن المرتهن على اعتبار أن تقييد الإنذار العقاري يؤدي إلى منع المدين الراهن من التصرف في العقار موضوع الرهن الرسمي، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07، مع العلم أن مسطرة الإنذار العقاري تعطي للدائن المرتهن إمكانية استخلاص مبلغ الدين المضمن من قبل المحافظ على الأملاك العقارية في شهادة التقييد الخاصة إضافة إلى فوائد السنة الجارية والتي قبلها وذلك طبقا للفصل 160 من ظهير2 يونيو 1915 الملغى والمادة 168 من م.ح.ع. 

وعليه، فلاستخلاص مبلغ الدين كاملا لا يجوز للدائن المرتهن إجراء حجز على العقار موضوع الإنذار العقاري كما يقع من الناحية العملية؟ قصد المطالبة بالمبلغ الزائد عن ذلك المضمن بالشهادة الخاصة بالتقييد إضافة إلى مبلغ الفوائد والصوائر القضائية، فالأفضل والأنجع له الاستمرار في مسطرة تحقيق الرهن إلى غاية مرحلة التنفيذ وتوزيع الثمن في هذه الحالة يمكنه أن يستصدر أمرا من رئيس المحكمة بناء على السند المثبت للدين ككشف الحساب البنكي أو عقد القرض الذي يثبت المديونية ويوضح الوضعية الراهنة للمدين .

أما التساؤل الثاني إذا كان العقار موضوع الرهن الرسمي مثقل بحجز تنفيذي، فإنه مع ذلك يبقى الدائن المرتهن يتمتع بحق الأفضلية والتتبع لضمان استيفاء مبلغ الدين من منتوج البيع بالمزاد العلني بعد سلوكه مسطرة تبليغ الإنذار العقاري، لذلك يرى الأستاذ حسن فتوخ أن أموال المدين تعد ضمان عام لدائنيه والعقار المحجوز يبقى في ذمة المدين كعنصر إيجابي وبالتالي لا يحول تقييد الحجز الأول دون تقييد حجوزات عقارية جديدة لاحقة من قبل دائنين آخرين، وأن إيقاع حجز تنفيذي من طرف دائن عادي يمنع الدائن المرتهن في ممارسة مسطرة تحقيق الرهن رغم أن بإمكانه تقييد الإنذار العقاري، في مقابل ذلك لا يستطيع تحويل الإنذار العقاري إلى حجز تنفيذي وإنما يجد نفسه أما إمكانية التدخل في الحجز الأول المقيد سابقا، وإتباع مسطرة التنفيذ للوصول إلى البيع بالمزاد العلني.

في هذه الحالة المذكورة يكون الدائن العادي هو من يقوم بمواصلة إجراءات التنفيذ في حين أن الدائن المرتهن بجد نفسه مرغما على إتباع الخطوات الإجرائية للوصول إلى البيع الجبري للعقار المرهون، قصد استيفاء مبلغ الدين بالأولوية على الدائن العادي، لكن هذا الأخير قد يبدو له أنه رغم متابعته لإجراءات الحجز العقاري فقد لا يتبقى له شيء بعد مسطرة توزيع الثمن ومن تم قد يمتنع عن مواصلة إجراءات التنفيذ للإضرار بمصلحة الدائن المرتهن.
لكن بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 87 من ظ.ت.ع قبل نسخه وتعويضه بالقانون رقم 14.07 والفصل 87 من ظ.ت.ع بعد نسخه وتعويضه، يظهر أن مجرد تقييد الحجز أو الإنذار العقاري يمنع أي تقييد جديد سواء كان تقييدا مؤقتا أو نهائيا، وإن كان المشرع المغربي لم يحسم صراحة طبيعة التقييدات المسموح بتقييدها بالرسم العقاري بعد تبليغ الإنذار العقاري أو الحجز، فقد كان عليه حصر المنع من التقييد في التقييدات الرضائية التي يكون موضوعها نقل حق عيني، ويستثني التقييدات غير الرضائية والغير المؤثرة على الوضعية القانونية للرسم العقاري.

بناء عليه، فإن صدور قانون معدل ومتمم لظهير التحفيظ العقاري (القانون رقم 14.07)، فرض على المحافظ على الملكية العقارية عدم الاجتهاد في إمكانية الاستجابة لأي تقييد جديد سواء مؤقتا أو نهائيا، وهذا ما يعد إجحافا في حق بعض الدائنين الذي كان بإمكانهم إجراء حجز على العقار أو بعض المتضررين الذين كان من الممكن إجراء تقييد احتياطي من أجل ضمان حقوقهم العينية المنصبة عل العقار، لكن صراحة الفصل منعهم من إجراء أي تقييد كيف ما كانت طبيعته القانونية.
فمضمون الفصل 87 من ظ.ت.ع كما نسخ وعوض يؤكد على أن المشرع المغربي أراد منع المدين والمحافظ على الأملاك العقارية وباقي الدائنين من القيام بإجراء أي تقييد جديد خلال جريان مسطرة تحقيق الرهن الرسمي.

خاتمة


ختاما لهذا الموضوع، اتضح لنا جليا أن تبليغ الإنذار العقاري إلى كل من المدين والحائز وكذا المحافظ على الأملاك العقارية وتقييده بالرسم العقاري، يترتب عليه منع المدين من إجراء أي تصرف يكون موضوعه العقار المرهون قد يضر بالدائنين كما ينبغي على المحافظ على الأملاك العقارية رفض بعض التقييدات بعد الإنذار العقاري وذلك استنادا إلى الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري كما نسخ وعوض بالقانون رقم 14.07.   وعليه، فإن تقييد الإنذار العقاري بالرسم العقاري لا يمنع من إجراء التقييدات غير المؤثرة سواء كانت مؤقتة أم نهائية، كالتقييدات الاحتياطية ومشروع نزع الملكية والحجوز والإنذارات العقارية وكذا الإراثات والوصايا، لأن هذه التقييدات لا تغير من وضعية الرسوم العقارية وإن كان الملك ينتقل إلى الخلف العام في حالة الوفاة.

شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق