الحيازة الاستحقاقية على ضوء مدونة الحقوق العينية

دة : حليمة بن حفو
أستاذة باحثة ‏ بكلية الحقوق أكادير
عضو مختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق مراكش
عضو فريق البحث في النظام القانوني للمال بكلية الحقوق أكادير



مقدمة:

رغبة من المشرع المغربي في توفير الأرضية المناسبة للإستثمار، والتخفيف من نسبة المنازعات العقارية المعروضة على القضاء، حرص في السنوات الأخيرة على تحيين النصوص القانونية المرتبطة بالعقار.

ومن بين المستجدات القانونية التي اعتمدها المشرع في مجال العقار، نذكر مدونة الحقوق العينية التي تم تنظيمها بموجب القانون رقم 39.08 التي تسري مقتضياتها على الملكية العقارية والحقوق العينية المتعلقة بالعقار المحفظ من جهة، والعقار غير المحفظ من جهة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار التشريعات الخاصة بالعقار.

أما مالم تتطرق إليه المدونة بالنص، فقد أحالت بشأنه على الظهير الشريف الصادر بتاريخ 9 رمضان 1333 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، وكذلك على الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي (المادة الأولى من المدونة).

وقد عرضت مدونة الحقوق العينية لمجموعة من المقتضيات، من بينها تلك المتعلقة بأسباب كسب الملكية (المواد من 222 إلى 312 من القسم الأول من الكتاب الثاني)، الذي حددها في إحياء الأراضي الموات والالتصاق والحيازة والميراث والوصية والمغارسة والهبة والصدقة والشفعة.

‎وسنقف عند الحيازة التي حاول المشرع المغربي تنظيمها لأول مرة، وذلك من خلال التطرق لماهيتها (المبحث الأول)، وإبراز آثارها وأسباب انقضائها (المبحث الثاني).


‏المبحث الأول: ماهية الحيازة


‏تنقسم الحيازة إلى قسمين، فهناك ال حيازة العرضية، أي وضع اليد على العقار بكيفية قانونية، دون نية تملكه، بل فقط استغلال منفعته، ومثالها حيازة المكتري للعقار المكترى.
وهناك الحيازة الاستحقاقية؛ بمعنى أن الحائز يضع يده على العقار غير المحفظ ويظهر عليه بمظهر المالك في ملكه؛ كأن يبني وبهدم ويزرع ويغرس، ويعد هذا النوع من الحيازة سببا من أسباب كسب ملكية العقارات غير المحفظة، وهو الذي اعتنت مدونة الحقوق العينية بتنظيمه، مخصصة له في الفرع الأول من الفصل الثالث المواد من 239 إلى 263 بالإضافة إلى المادة 3 من نفس المدونة.

‏والحيازة واقعة مادية بسيطة؛ اعتنى المشرع المغربي بتحديد شروطها (المطلب الأول)، وبيان عيوبها وتوضيح الدعاوى المتعلقة بها كما عمل على تعداد موانعها (المطلب الثاني).


المطلب الأول: شروط صحة الحيازة


تباشر الحيازة من طرف شخص يعرف باسم الحائز (الفقرة الأولى)؛ وينبغي توافرها على مجموعة من الشروط (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى : تعريف الحائز

يمكن أن نعرف الحائز بأنه ذلك الشخص الذي يضع يده على عقار غير محفظ أوعلى أي حق عيني آخر يرد عليه بقصد تملكه. ويشترط فيه أن يكون متمتعا بأهلية التصرف، وتتحدد هذه الأهلية بالنسبة للشخص الطبيعى ببلوغه 18 سنة دون أن يعترض أهليته أي عارض من عوارض الأهلية.

أما إذا كان ناقص الأهلية، كما هو الشأن بالنسبة للصغير المميز والسفيه والمعتوه، أو كان عديم الأهلية كما هو الحال بالنسبة للصغير عديم التميبز، فإن لنائبه الشرعي، أي الولي أو الوصى أو المقدم، حسب الحالات، النيابة عنه في الحيازة، وذلك ما يتضح من خلال المادة 243 من مدونة الحقوق العينية.

كما ينبغي في الحائز أن يكون مغربي الجنسية، وذلك على اعتبار أن مدونة الحقوق العينية استثنت الأجانب من التملك عن طريق الحيازة في الفقرة الثانية من المادة 239 التى جاء فيها: "ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغارية مهما طال أمدها".

ونعتقد أن المشرع المغربي حسنا فعل، عندما استبعد الأجانب من التملك عن طريق الحيازة، وهو ما من شأنه توفير الحماية اللازمة للعقارات الواقعة داخل التراب الوطنى، وضمان اكتساب ملكيتها بالحيازة لفائدة المواطنين المغاربة، وفي هذا الإطار جاء في إحدى حيثيات قرار صادر عن محكمة النقض مايلي:
"لكن حيث إنه بمقتضى المادة الحادية عشر من معاهدة مدريد سنة 1860 المنعقدة بين الدولة المغربية والدول الأجنبية، فإن حق تملك الأجنبى (غير المواطن المغربي) للعقار يكون بإذن من الدولة المغربية وقد نقلت هذه المادة إلى المادة ستين من عقد الجزيرة الخضراء المبرم سنة 1906 وهكذا أبيح للأجانب حق تملك العقار شرط الحصول على إذن خاص من الحكومة المغربية وفي حالة عدم حصوهم على هذا الإذن يعتبر تملكهم غير مرتكز على أساس قانوني وبالتالي ينطبق عليهم والحالة هذه حكم الغاصب ولا تنفعهم الحيازة ولو طالت لذلك فإن المحكمة كانت على صواب عندما لم تعتبر حيازة المعمر موريس وصرحت بأنه مواطن فرنسي لا يمكن له أن يتملك في المملكة المغربية أرضا بدون شراء وبدون إذن خاص من الجهات المختصة ".

والحائز قد يكون شخصا واحدا، ويفترض حيئئذ أنه يحوز لنفسه إلى أن يثبت العكس، كما يمكن أن يكون أكثر من شخص، مادام أن مدونة الحقوق العينية قد اعترفت في الفقرة الرابعة من المادة 243 بالحيازة الشائعة، إذ نصت على أنه: "يجوز أن يحوز شخصان أو أكثر ملكا مشاعا فيما بينهم".


الفقرة الثانية: شروط الحيازة

ورد تعداد شروط صحة الحيازة في المادة 240 من مدونة الحقوق العينية، وهي:

أولا : وضع اليد على الملك

يفيد وضع اليد على الملك، قيام السيطرة الفعلية للحائز على العقار أو الحق العيني الذي يوجد في حيازته بنية تملكه.
ويتحقق وضع اليد على الملك سواء من طرف الحائز مباشرة، أو بواسطة شخص يأتمر بأمره، مثل خدمه وأتباعه، مالم يتعلق الأمر بالجماعات السلالية، إذ يمكنها أن تباشر وضع اليد بواسطة أفراد ينتمون إلى الجماعة، وذلك وفقا للفقرة 3 من المادة 243 من مدونة الحقوق العينية.

ثانيا : التصرف في الملك تصرف امالك في ملكه

يجب أن يباشر الحائز التصرفات التي يقوم بها المالك عادة في ملكه، سواء تصرفات مادية مثل زراعة الأرض الفلاحية أو بناء منزل بها أو هدم بناء مشيد عليها، أو تصرفات قانونية من شأنها أن تنقل الملك إلى الغير، مثل الهبة.

ثالثا : نسبة الملك إلى الحائز

ينبغى أن ينسب الحائز الملك لنفسه، وذلك بادعاء أنه المالك له، وكذلك بنسبته إليه، أي أن يشيع بين الناس وخاصة الملاك المجاورين أن الحائز هو المالك للملك المحاز.

رابعا : عدم المنازعة في الحيازة

يقصد بهذا الشرط، أن الحائز خلال مدة الحيازة، لم ينازعه أي شخص في الملك المحاز، ولم يعترض عليه المحوز عليه لا قولا ولا فعلا بلا مانع.

خامسا : استمرار الحيازة طول المدة المحددة قانونا

تناولت مدونة الحقوق العينية بالتحديد المدة اللازمة لصحة الحيازة، مع التمييز في ذلك بين الحالتين الآتيتين:

الحالة الأولى: حيازة الأجنبي غير الشريك

يكفي لحيازة الشخص الأجنبي غير الشريك مدة عشر سنوات كاملة، وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض مايلي:
"لما كان المدعى عليه قد أثبت حيازته للعقار المدعى فيه لأكثر من عشر سنوات فإن هذه الحيازة تكسبه الملك ..."

الحالة الثانية: الحيازة بين الأقارب غير الشركاء

بالرجوع إلى المادة 251 من مدونة الحقوق العينية، يتضح أنها حددت مدة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء حسب وجود عداوة بينهم من عدمها.
وهكذا رفعت مهلة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة إلى أربعين سنة، بينما خفضت مهلة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء الذين بينهم عداوة إلى عشر سنوات فقط، تأثرا في ذلك بالفقه الإسلامي.

وتجدر الإشارة إلى أن مدة الحيازة تحسب كاملة حسب المادة 252 من مدونة الحقوق العينية، وهذا معناه أن مدة الحيازة لايدخل في حسابها اليوم الأول من وضع اليد على الملك ولا اليوم الأخير، وإذا صادف اليوم الأخير للأجل يوم عطلة رسمية فإن الأجل يمتد إلى أول يوم العمل الذي يليه، إضافة إلى أن مدة الحيازة يجري حسابها بالتقويم الميلادي.
كما أن مدة الحيازة لا يجوز تعديلها بالزيادة أو النقصان، وذلك تحت طائلة البطلان.
وفي حالة تفويت الملك المحاز، فإن مدة الحيازة يتم ضمها، إذ يستفيد المفوت إليه من مدة سلفه. وكذلك في حالة وفاة الحائز، فخلفه العام أي الورثة والموصى لهم يستفيدون من مدة حيازة سلفهم المتوفى.
يضاف إلى ذلك، أن مدة الحيازة يجب أن تكون مستمرة، أي دون انقطاع لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 257 من مدونة الحقوق العينية؛ وهي:

- فقدان الحائز حيازته أو تخليه عنها.
- المنازعة القضائية، وذلك في حالة رفع دعوى في مواجهة الحائز، ما لم تقض المحكمة برفض الدعوى أو وقع التنازل عنها.
- إقرار الحائز بصحة دعوى المحوز عليه.

ويترتب على انقطاع مدة الحيازة، زوال المدة السابقة واعتبارها كأن لم تكن.

سادسا : عدم العلم بالتفويت في حالة وفاة الحائز

يفيد شرط عدم العلم بالتفويت في حالة وفاة الحائز، أن الشهود لم ينته إلى علمهم كون المشهود له أي الجائز فوت الملك الذي يحوزه عن طريق إحدى التصرفات المؤدية إلى انتقال الملكية مثل البيع أوالهبة وغيرهما.


المطلب الثاني: عيوب الحيازة ودعاواها وموانعها


يلزم في الحيازة أن تكون خالية من العيوب، ويبقى من حق الحائز الدفاع عنها عن طريق إثارة إحدى دعاوى الحيازة (الفقرة الأولى)، غير أن الحائز يتعذر عليه التمسك بالحيازة في حالة وجود موانع (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى : عيوب الحيازة ودعاواها

تناول المشرع المغربي عيوب الحيازة في المادة 245 من مدونة الحقوق العينية (أولا)، بينما خص دعاوى الحيازة بالفصول من 166 إلى 170 من قانون المسطرة المدنية (ثانيا).

أولا : عيوب الحيازة

تعد الحيازة معيبة إذا كانت مشوبة بعيب من العيوب الآتية:

أ- عيب الإكراه:

يلحق الحيازة عيب الإكراه في الحالة التى يحصل فيها الحائز على الحيازة بالقوة أو بالتهديد، سواء صدر ذلك منه أو بواسطة من يعملون لحسابه.
والعبرة في عيب الإكراه هى بوقت بدء الحيازة، ولذلك فإنه إذا وقع التعدي على الحيازة بعد بدايتها، فإنها تبقى مع ذلك هادئة.

ب-عيب الخفاء:

يعتري الحيازة عيب الخفاء أوعدم العلانية، إذا لم تكن ظاهرة، ولذلك فإنها إذا كانت خفية لايعتد بها إلا من تاريخ زوال عيب الخفاء.

ج-عيب الغموض:

ينصب عيب الغموض أواللبس على عنصر القصد، ومعناه عدم وضوح ما إذا كان الحائز يحوز لنفسه أو لحساب غيره؛ أو لحسابه وحساب غيره معا.

د-عيب عدم الاستمرار:

تعد الحيازة مشوبة بعيب عدم الاستمرار إذا كانت متقطعة، غير أن ذلك لا يعني إلزامية توافر أعمال السيطرة المادية على الشىء بكيفية مستمرة، إذ يكفي أن يستعمل الحائز الشىء على فترات متقاربة ومنتظمة، وبكيفية اعتيادية كما يستعمل المالك عادة ملكه.

وإذا كانت العيوب السالفة الذكر تحول دون ترتيب الحيازة لأثرها، فهل باستقراء المادة 245 من مدونة الحقوق العينية، يتضح أن المشرع المغربي عندما عرض لعيوب الحيازة لم يحصر أثرها في مواجهة من وقع عليه الاكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو لم تكن مستمرة بالنسبة إليه أو كان لديه لبس فيها، ولذلك تعتقد أن لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذه العيوب. فالحائز الذي يرغب في تملك حق بالحيازة يجب أن يظهر أمام الناس بمظهر صاحب الحق.

ثانيا : دعاوى الحيازة

يحق للحائز التصدي لأي اعتداء مادي يقع على حيازته، وذلك عن طريق التمسك بإحدى دعاوى الحيازة، وهى:

أ - دعوى منع التعرض:

تحمي دعوى منع التعرض الحيازة الأصلية، ويحق لحائز عقار أو حق عيني عقاري لمدة سنة على الأقل، رفع هذه الدعوى في مواجهة المعتدي على حيازته، كيفما كان الاعتداء الذي تضرر منه؛ كأن يتم طرد الحائز من العقار بادعاء أنه محتل له بدون وجه حق.
ولكن يجب على الحائز رفع دعوى منع التعرض داخل الأجل القانوني المحدد في سنة من تاريخ الفعل الذي يشكل تعرضا لحيازته، وذلك مايتضح من خلال الفقرة الأولى من الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية.

ب - دعوى وقف الأعمال الجديدة:

الغرض من إثارة هذه الدعوى هو وقف الأعمال التي بدأت، لأنه إذا تم إكمالها ستشكل تعرضا على حيازة الحائز، كما لو كان شخص يحوز أرضا فلاحية، ويفاجأ بقيام الغير الذي يملك عقارا مجاورا بالشروع في أشغال ترمي إلى تشييد سوريكون من شأنه عند إتمامه إغلاق ارتفاق المرور الذى يؤدي إلى أرضه.
وهذه الدعوى بدورها لا يمكن رفعها إلا من طرف ال حائز الذي مرت على حيازته لعقار أو لحق عيني مدة سنة على الأقل، كما يجب رفعها داخل أجل سنة من التاريخ الذي انطلقت فيه الأعمال الجديدة، وإلا تعين على المضرور سلوك دعوى منع التعرض خلال سنة من تاريخ إتمام الأعمال الجديدة.

ج - دعوى استرداد الحيازة:

‎حسب الفقرة الثانية من الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية، فإن الحائز الذي كانت له مجرد حيازة عرضية، إذا تعرض لسلب حيازته عن طريق استعمال الإكراه، له الحق في التمسك بدعوى استرداد الحيازة التي كانت بيده، ولكن بشرط أن يثير هذه الدعوى خلال السنة التالية من تاريخ الفعل الذي يخل بالحيازة.
وتجدر الإشارة إلى أن أجل السنة المحدد لرفع دعاوى الحيازة هو أجل سقوط.


الفقرة الثانية: موانع الحيازة

يمكن تصنيف موانع الحيازة إلى صنفين؛ بعضها يرتبط بصفة في الشخص تحول دون استفادته من الحيازة (أولا)، وبعضها الآخر يتعلق بوضعية يوجد عليها الشخص المحوز عليه (ثانيا).

أولا : موانع مرتبطة بصفة في الشخص

عرض المشرع المغربي لموانع الحيازة المرتبطة بصفة في الشخص، سواء الحائز أو المحوز عليه في المادة 255 من مدونة الحقوق العينية.
وهكذا لا تقوم الحيازة:

- بين الأبوين وبين أبنائهما مهما سفلوا.
- بين الأزواج أثناء قيام الزوجية.
- بين الشركاء مطلقا.
- بين النائب الشرعي ومن هم إلى نظره.

المطلب الأول: آثار الحيازة


القاعدة أن الحيازة الاستحقاقية تكسب ملكية العقار أوالحق العيني العقاري (الفقرة الأولى)، وإذا كانت الحيازة تقتضى السيطرة الفعلية على الملك بنية تملكه، فإنه من البديهى أن تتعرض للإنقضاء عند فقدانها أو التخلي عنها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اكتساب الحائز ملكية العقار

تترتب على الحيازة المستوفية لشروطها اكتساب الحائز ملكية العقار أو أي حق عيني آخر ورد عليه، وذلك حسب المادة 3 والمادة 260 من مدونة الحقوق العينية، غير أن هناك استثناء يتعلق ببعض الأملاك أوالعقارات التى لا يجوز مطلقا اكتسابها بالحيازة مهما طال أمدها، وهي حسب المادة 261 من مدونة الحقوق العينية تشمل:

- أملاك الدولة العامة
- أملاك الدولة الخاصة
- الأملاك المحبسة
- أملاك الجماعات السلالية
- أملاك الجماعات المحلية
- العقارات المحفظة
- الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون.

الفقرة الثانية: أثر حسن نية الحائز أو سوء نيته

تنص المادة 262 من مدونة الحقوق العينية على أنه : "يطبق الفصل 101 وما يليه من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود على تملك الغلة والمسؤولية عن هلاك الشيء المحاز".
يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع المغربي أحال بشأن تحديد الأحكام الواجبة التطبيق على تملك الغلة والمسؤولية عن ضمان الشيء المحاز على الفصل 101 وما يليه من ق.ل.ع، وبالرجوع إلى الفصول المذكورة المحال عليها، يتبين أنها ميزت في الأحكام بين حسن النية وسوء النية.

أولا : أثر حسن نية الحائز

حسب القواعد العامة فإن حسن النية مفترض إلى أن يثبت العكس (الفصل 477 من ق.ل.ع).
وورد في الفقرة الثالثة من الفصل 103 من ق.ل.ع أن "الحائز حسن النية هو من يحوز الشيء بمقتضى حجة يجهل عيوبها".
يتضح من خلال هذا التعريف أن الحائز يعد حسن النية، عندما يحوز الحق بمقتضى سند مرتب لانتقال الملكية، غير أنه يجهل عيوب هذا السند، كالموهوب له الذي يحوز العقار الموهوب بمقتضى عقد هبة، فيتسلمه وهو يعتقد أن الواهب يملك الملك الموهوب.
ويترتب على حسن نية الحائز ثبوت حقه في تملك الثمار طيلة مدة الحيازة، ولا يلزم برد ما كان موجودا منها، ولا بما يجنيه منها، إلا ابتداء من تاريخ رفع الدعوى عليه برد الشىء.
وهكذا، فإنه وانطلاقا من تاريخ المطالبة القضائية لا يجوز للحائز التصرف في الثمار، وإلا اعتبر مسؤولا عن فعله. وحينئد يجب عليه رد هذه الثمار بعينها أو رد قيمتها، لأنها من حق المالك.
أما إذا حدث أن هلك الشىء أو تعيب، فإن الحائز لايسأل عن الهلاك أو التعيب، إلا في حالة وقوعها بخطأ منه، وذلك وفقا للقواعد العامة.

ثانيا : أثر سوء نية الحائز

يعد الحائز سيء النية إذا كان على علم بعيوب السند الذي بموجبه نقل المتصرف الحق إليه.
ويترتب على سوء نية الحائز إلزامه بأن يرد ليس فقط الشيء، بل أيضا ثماره الطبيعية والمدنية، ويستوي أن يكون قد جناها، أو كان بإمكانه أن يجنيها لو أنه أدار الشيء إدارة معتادة، وذلك ابتداء من تاريخ وصول الشيء إليه.
كما أنه يلزم بأداء مصروفات رد الشيء، أما المصروفات الضرورية التي أنفقت لحفظ الشيء وجني الثمار، فإن له الحق في استردادها، ويباشر هذا الإسترداد على الشيء نفسه، وفي الوقت الذي يوجد فيه تحت يده، وفقا للفصل 101 من ق.ل.ع.
وتقع عليه تبعة هلاك الشيء وتعيبه ولو بفعل قوة قاهرة، كما لو تعرض العقار الذي في حوزته للهلاك نتيجة وقوع زلزال أو حريق أو فيضان، إذ يعتبر ضامنا للشيء، استنادا للفصل 102 من ق.ل.ع.
وهكذا، فإنه في حالة هلاك العقار هلاكا كليا أو في حالة تعرضه لعيب أصبح معه غير صالح للإستعمال فيما أعد له، يلزم الحائز سيء النية بأداء قيمته التي يعتد في تحديدها بتاريخ وصوله إليه. 
أما إذا لحق العقار عيبا، وجب عليه دفع الفرق الناتج بين قيمته وهو سليم وقيمته وهو معيب. 
وتجدر الإشارة إلى أن الحيازة تبقى محتفظة بالصفات التي بدأت بها من وقت اكتسابها ما لم يقم الدليل على العكس، فالحائز حسن النية يبقى كذلك إلى أن يثبت صاحب الحق سوء نيته، وبعبارة أخرى إلى أن يثبت صاحب الحق أن الحائز على علم أو كان بإمكانه العلم بأن حيازته اعتداء على حقه.
ويمكن لصاحب الحق أن يثبت ماسبق باعتباره واقعة مادية بجميع وسائل الإثبات. با فيها البينة والقرائن. 
ويبقى أنه في حالة وفاة الحائز وكان سيء النية، فإن الحيازة تنتقل بصفتها هذه إلى ورثته، وتسري عليهم نفس الأحكام فيما يتعلق بتملك الغلة والمسؤولية عن هلاك الشيء المحاز، وذلك ما يستفاد من خلال الفصل 105 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: "في الجريمة وشبه الجريمة، تكون التركة ملزمة بنفس التزامات الموروث.
الوارث الذي انتقل إليه الشيء وهو يعلم عيوب حيازة سلفه يضمن مثله الحادث الفجائي والقوة القاهرة، كما أنه يلتزم برد الثمار التي جناها من وقت وصول الشيء إليه."

المطلب الثاني: انقضاء الحيازة


تشكل السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه الأساس الذي تقوم عليه الحيازة، ولذلك فإنه إذا تخلى الحائز عن السيطرة الفعلية على الملك أو فقدها،تنقضي الحيازة، وهذا ما يستفاد من خلال المادة 249 من مدونة الحقوق العينية.

كما تنقضي الحيازة بزوال عنصريها معاّ، ومثال ذلك قيام الحائز بتفويت الشيء المحاز عن طريق البيع إلى المشتري وتسليمه إليه، إذ تنتقل الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي إلى هذا الأخير باعتباره خلفا خاصا للبائع.

وتجدر الإشارة إلى أن ما يدخل في إطار القوة القاهرة أو الحادث الفجائي الذي له صفة مانع وقتي، لا يؤثر على الحائز، وتبقى حيازته المستوفية للشروط، قائمة ومنتجة لآثارها، ومثال ذلك أن يحوز الحائز أرضا فلاحية ثم تتعرض لفيضان لمدة مؤقتة، ولكن هذا الأخير ما يلبث أن يزول، فإن الحائز لايفقد السيطرة المادية عليها أثناء هذه المدة، أما إذا كان الفيضان الذي اجتاح الأرض غير مؤقت، أي دائم يكون من شأنه بقاء الأرض مغمورة بالمياه، فإن الحائز يفقد السيطرة المادية عليها، وتبعا لذلك يفقد الحيازة.

الخاتمة:


حاول المشرع المغربي عند تنظيمه لأحكام الحيازة توظيف الفقه الإسلامي؛ وخاصة منه الفقه المالكي، وأيضا الإستفادة من العمل القضائي.
غير أنه على مستوى الفقه المالكي، يتضح أن مدونة الحقوق العينية عند معالجتها للحيازة لم تأخذ بمقتضياته كاملة، وإن كانت عند تحديدها للأحكام العامة في الفصل التمهيدي؛ قد أحالت في الفقرة الثانية من المادة الأول على الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.

كما أن المدونة خالفت العديد من أحكام هذا الفقه وهو ما يتجلى مثلا في استبعادها للحيازة بين الشركاء وعدم اعتدادها بالحيازة بين الآباء والأبناء رغم أن الفقه المالكي يأخذ بها وفقا لشروط محددة.
شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق